الاثنين، 25 مارس 2013

الضاد .. ليس هي الظاء



تتفاخر اللغة العربية بتفردها عن سائر لغات العالم، بكونها اللغة الوحيدة التي تحمل حرف (الضاد)، هذا الحرف الذي لا يكتب أو ينطق في أي لغة أخرى، ومن هنا تعرف اللغة العربية أنها لغة الضاد.

غير أن ماسأة هذه اللغة، وأكبر مصائبها أن الكثير من أبنائها، لا يفرق بين حرف الضاد، وحرف آخر هو الظاء، ولكل منهما رسمه ونطقه، فقد اصطدمت بأحد الذين يحملون شهادة عليا، وقد كتب فيما كتب (أن ضلال النخيل تحفه من كل جانب).

نظرت إلى العبارة مندهشا، وسألته، هل شعرت بضلال النخيل؟!، فأجاب موافقا، وقال إن "ضلال" النخيل تمده بالدفء، وأنه.. وهنا قاطعته لأتبين خطأ رسمه للعبارة، وليس مقصده، ربما تقصد الظلال بالظاء؟.

مثل هذا الشاب، هناك الكثير من الذين يخطئون في رسم الضاد والظاء، ولا يفرقون بين الحرفين، ولا يفطنون إلى اختلاف المعنى عند كل منهما، فإذا كانت الظلال أمرا مقبولا ومرغوبا، فإن المرء يستعيذ بالله من الضلال والضلالة، وقس على هذين المعنيين، كلمات عدة تتبدل معانيها بمجرد اختلاف حرفي الضاد والظاء.

مع هذين الحرفين، تبرز اشكالية أخرى في جيل اللغة الخالدة، الجيل الذي لم يعد يعرف كيف تكتب الهمزة في بعض الكلمات، وموقعها في الاعراب، فنراها تارة موصولة، وتارة أخرى مقطوعة، وأحايين كثيرة لا نجد لها أثرا في الكلمة.

إن مرد ذلك في رأيي يعود إلى المدرسة أولا، وإلى المنهج التعليمي وخاصة منهج اللغة العربية وطرق تدريسه، فالطالب يتخرج من المدرسة وهو بالكاد يعرف القراءة الصحيحة، وتهجئة الحروف، ويتقن الإملاء، فكم من الأخطاء الشنيعة ترتكب بحق اللغة العربية من أناس بلغوا مراتب متقدمة من العلم والمعرفة!.

إن وسائل التواصل الحديثة، والتي كان يمكن أن تكون وسيلة لإتقان الإملاء، وتعلم الكتابة الصحيحة، خالفت دورها، أو بشكل أصح لم يستفد منها الاستفادة الناجعة، فتعمقت بذلك الفجوة بين لغة الضاد ومنتسبيها، وظهرت اللامبالاة في كتابة الجمل والعبارات العربية الفصيحة، وتم التغاضي عن الكثير من الأخطاء الشنيعة التي ترتكب بحقها، وتهجينها بكلمات دخيلة، والتلاعب في حروفها، فكم من الرسائل النصية، والمداخلات في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات، تحمل أخطاء لا تغتفر بحق لغة القرآن الكريم، ناهيك عن أخطاء قواعد النحو والصرف، وعن هذه حدث ولا حرج.

إن الطالب فيما مضى، كان يبدأ تحصيله الدراسي، في مدارس القرآن الكريم بتعلم القاعدة البغدادية، والقاعدة النورانية، وكلاهما تهدفان إلى تهجئة الحروف بمخارجها الصحيحة مع الحركة المشكولة فيها، وبذلك تتأسس مهارة القراءة لدى المتعلم بقواعد ثابتة يتمكن من خلالها من قراءة كل ما يقع بين يديه دون أي عناء وصعوبة.

من هنا كانت مخرجات التعليم، متمكنة من نفسها في التخاطب باللغة العربية الفصحى، ومدركة لمعانيها، وعارفة بتشكيل حروفها، وتهجئتها، ولا خلاف بين بعض الحروف على بعض الكلمات، فكانت الجملة تصيب معناها المقصود، وبرع من  الدارسين من استطاع تشكيل الحروف حسب موقعها في النحو، ونطقها الفصيح.

إن اللغة العربية لن يعود مجدها، إلا اذا استوعبنا وجود مشكلة، وانتبهنا إلى فداحة وجود جيل متعلم لا يفرق بين الضاد والظاء، ولذلك لا يفهم الفرق بين "الظلال" و"الضلال"، وإذا ما عرف ذلك، فيصعب عليه نطقهما نطقا صحيحا.

وأخيرا ما أحسن ما خاطبنا به شاعر النيل على لسان اللغة الخالدة:

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني         ومنكم وإن عز الدواء أساتي
فلا تكلوني للزمان فإنني          أخاف عليكم أن تحين وفاتي
 

مسقط ـ 20 فبراير 2013م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق