حين سألنا أول مرة، رجاء
البلوشية عن سبب إختيار المغرب، لتحتضن جولتنا الفكرية والثقافية، وما إذا كانت
هذه البلاد تسجل سبقا وتميزا في مجال الثقافة والأدب، لم تقل أكثر من أننا سنكتشف
ذلك بانفسنا وسنعرف إجابة السؤال حينئذ.
كنت واحد من الذين سألوا
يومها عن موقع المملكة المغربية في الخارطة الثقافية، وما إذا كانت بيئة فكرية
خصبة، لم أكن أعرف من مفكريها ومثقفيها غير بضعة أسماء، حققوا انتشارا عالميا،
بدءا من المفكر الراحل محمد عابد الجابري وحتى محمد شكري والطاهر بن جلون وبنسالم
حميش ومحمد بنيس.. وغير ذلك يشوبني القصور في التعرف عليهم، لجهلي، وعدم إطلاعي
الكافي على جل الكتاب والمفكرين والرواة والشعراء والنقاد المغاربة.
وكنت آخال أن الشعب المغربي،
منغمس كليا في الفرنكفونية، حاله في ذلك حال بلدان المغرب العربي، والمستعمرات
الفرنسية في افريقيا وآسيا، حيث عمت سياسة الفرنسة كل المظاهر الوطنية: الإدارة
الحكومية، من التعليم ووسائل الإعلام، إلى الشركات والمؤسسات الصناعية والتجارية،
وحتى أسماء وإعلانات الشوارع، وبطاقات الزيارات والحفلات، وبدت اللغة الفرنسية
تتحول تلقائياً إلى لغة التخاطب الرسمية الأولى في العديد من الدول، وهكذا ظننت أن
المغرب ليس عن ذلك ببعيد.
لكنني حين وصلت، وتعرفت على
مرافقينا بدر الدين وهيثم، وسائق الحافلة سي محمد، وجلست مع موظف الفندق الذي
نزلنا فيه أول مرة، أدركت أن اللغة العربية حاضرة، تحاول أن تعمر كيانها، في بلد
شكل منطقة عبور لثقافات عدة تداخلت مع الثقافات المحلية، وتعايشت على أرضه لغات
عدة، كل منها عملت على ضمان موقعها ودورها ومكانتها، واحتكار مناطقها الجغرافية.
لم يتحدث بدر أو هيثم، وحتى
سي محمد والكثير ممن إلتقينا بهم، غير بلغة عربية سليمة، جعلتني أشعر بالارتياح،
وأطمئن إلى ثقافة وحضارة هذا البلد العريق.. رغم أنني شاهدت وتعرفت على الكثير من
المغاربة ممن يتحدثون الفرنسية أكثر من العربية الفصحى، ويخلطون الأمازيغية
بمفردات عربية..
وغير ذلك فالشعب المغربي،
مثقف وعلى درجة من الوعي والمعرفة، وإن بدأ التشاؤم على أفردا منه، على الوضع
الثقافي للشباب، كون السمة الغالبة منهم لا تقرأ، ولا تطالع الكتب، ولا تحضر
الندوات الفكرية والثقافية.
أقول ذلك رغم النظرة
السودواية التي نقلها لنا وزير الثقافة المغربي محمد الأمين الصبيحي في لقائنا به،
والأرقام "المفجعة التي أشار إليها، إذ يصل عدد الناشرون في المغرب، ـ حسب
حديث الوزير ـ إلى 40 ناشرا، والنتاج السنوي للكتب يقترب من الألفين كتاب، وهناك
سبع مجلات ثقافية نوعية لها حضور ووزن وطني، ناهيك عن المكتبات التجارية المنتشرة
بطول البلاد وعرضها، وباعة الكتب على أرصفة الشوارع والميادين.
هذه الأرقام وإن بدت لنا
جيدة، إلا أن الوزير كان حزينا بشأنها، وكان يقرأها بأسى شديد، فعلى مرمى حجر منه،
تسكن البلاد التي يقارن الانتاج الفكري للدول العربية قاطبة بها، وماذا تساوي
الألفين كتاب إزاء عشرة ملايين إصدار في الأداب والعلوم والفنون والترجمة، تطبعها
اسبانيا سنويا.
قلت لرجاء البلوشي، وأنا
أطالع الأرقام التي قدمها لنا وزير الثقافة المغربي، ماذا سنقول عن حالنا نحن في
السلطنة؟!.
كان هذا الحديث قبل معرفة كم
الاصدارات العمانية الحديثة الغزيرة التي ظهرت في معرض مسقط الدولي للكتاب الأخير،
والتي تقترب من المئتين اصدار.. ولن أتحدث عن باقي الأرقام بالنسبة لعدد المكتبات
ودور النشر في السلطنة، وكيف حال الكتاب العماني بعد معرض مسقط للكتاب.
***
في قلب المدينة.. ومن على
شرفة تطل على شارع محمد الخامس، ومبنى البرلمان، كنا نجلس على غير ميعاد مع نجيب
خداري رئيس بيت الشعر المغربي، ومراد القادري والروائي حسن نجمي، كانت الشمس قد
أذنت بالغروب، وحركة المارة في الشارع بدأت تخفت.. كان الطقس معتدلا، لذلك أخذنا
موقعنا على شرفة مقر البيت، ورحنا ننسج قصيدة شعر جميلة، وننصت إلى عذب الكلام،
ونغرف من معين الفكر والأدب.
تحدث مضيفنا عن بيت الشعر في
المغرب الذي تم إشهاره العام 1996م، حيث أصدر مجموعة من الأدباء والشعراء بيانا
تأسيسيا للبيت، من بينهم الشاعر محمد بنيس وحسن نجمي وصلاح بوسريف وغيرهم من
الشعراء المتحمسين، والداعين إلى إيجاد خصوصية للشعر العربي، والنهوض به، ومعرجين
بحديثهم عن ارتباط البيت ببيوتات الشعر في مختلف العواصم الثقافية، ونشاطاته،
وتكريمه لشخصيات عربية لها إسهامها الشعري، وقالوا عن الأعضاء الذين ينتمون لبيت
الشعر والبالغ عددهم 65 عضوا، هؤلاء لا يمكن استبدالهم إلا في حالة استقالة أو موت
أحدهم.
كنت وفيصل العلوي ومحمد
الحضرمي أكثر الموجودين تفاعلا، مع حديث الشعر والأدب، بحكم ميولنا الثقافية، فيما
كانت سعاد العريمي تنظر إلي وهي تستعجل إنهاء اللقاء، وكذلك فعلت ميساء الهنائي
التي بدت في ذلك المساء متعبة، ومجهدة، حد إنها تركتنا وانصرفت للإستراحة في مكان
آخر.
كان محمد الحضرمي يوثق اللقاء
كتابة وتصويرا، وكان موقعه قريب من خداري والقادري، ولذلك كان يطلب من فائزة
الكلباني تصويره، من زوايا عدة.
كنت في قرارة نفسي أضحك، وأنا
أشاهد فائزة تقوم من مكانها كل مرة، لتلتقط صورا جديدة للحضور عامة ومحمد الحضرمي
خاصة، وهو يشير إليها إلى زاوية التصوير الأفضل، ثم ينكب على الورقة ليكتب، حتى
تظهر الصورة تلقائية.
كان تملل سعاد يتصاعد، وهي
ترانا نسأل ونستفسر، ونقرأ الشعر، ولم تهدأ أنفاسها الغاضبة منا، إلا حين جيء
بالشاي المغربي، وبعض الحلوى المغربية، وأقترح الحضور أن نأخذها في القاعة
الداخلية.. حيث الكراسي الوثيرة، هناك شعر البعض بالارتياح، وكان الوقت قد أزف على
نهاية اللقاء.
كان الليل قد أسدل ستاره،
ونحن نمضي في شارع محمد الخامس، ونعبر زنقة سويقة، وننتقل بينهما كمن يعبر صفحة
تاريخ، ليصل إلى صفحة أخرى حديثة، تتبدل فيها وجه المدينة، لتكون بحلة زاهية بهية،
تتناسق في العمران الحديثة، والشوارع الفسيحة، واضواء الليل تكتب أغنية حزينة..
علاش بغيتك قوليلي علاش مانسيتك.. صافي سيري سيري كويتي ليا قلبي عاد مشيتي.
كنت أطل على صورة المدينة
التي تتشكل تلك الليلة، وأناظر حيوات تكتبها المسارح ودور السينما، وجلسات
المقاهي، وأسترق لحديث الصحاب عن المكتبة الوطنية، وبيت الشعر، وعن الثقافة
والفكر، وأشياء أخرى.
***
كانت السماء قد أنهت للتو
ولادة المطر، والغيوم بدأت تتكشف، لتبزغ أشعة الشمس الدافئة، والأجساد التي توزعت
قريبا من محطة أكدال، كانت تقترب من بعضها حينا، وتبتعد حينا آخر، في الطريق كانت
ثمة حافلة ألفتها دروب الرباط، تشق طريقها من باب الرواح، وتسلك شارع ابن خلدون،
لتتوقف عند معلم ثقافي مهم، من معالم المغرب قاطبة.
لم يكن هذا المكان ضمن برنامج
الزيارة المقرر، لكنه تصدر جدول الزيارات بعد أن طلب الدكتور خالد العوالمة منا
إقتراح أماكن زيارة غير موجودة في الجدول، قال كل منا ما يهمه من الأمكنة،
والمراكز التخصصية.
اقترح بدر لنا أن نعرج على
المكتبة الوطنية، بإعتبار أهميتها الثقافية والفكرية، وعلى عجل رتب لنا الزيارة،
وهكذا كنا أمام مبنى ذو هيئة هندسية حسنة، وصورة بديعة، تأملتها بدهشة، وفرح، وشيء
من الغبطة لهذه البلاد التي أوجدت هذا الكيان الثقافي الكبير.
وقفنا بدءا أمام لوحة
تشكيلية، تواجه باب المكتبة الرئيسي، بدت اللوحة على شكل شلال ينحدر من الأعالي،
شلال حروف من لغات مختلفة، كناية عن أن المكتبة تضم ذخائر ونفائس الكتب من لغات
شتى، بينها العربية والأمازيغية والفرنسية وغيرها.
أدهشتني المكتبة بقاعاتها..
وأقسامها، واتساعها، أدهشتني بكل ركن فيها، والأجمل من كل ذلك، أؤلئك الباحثين عن
المعرفة الذين ملؤا قاعات القراءة، وبالكاد تجد مقعدا شاغرا فيها، كان الصمت سيد
المكان، وكان مضيفنا هناك المختار العلوي، وبالمناسبة كانت سعادته كبيرة وهو يتعرف
على إبن عمه بالنسب العلوي.. فيصل.
كان المختار العلوي يشرح لنا
عن أقسام المكتبة، ويجوب بنا القاعات والأركان، بصوت خافت لا نكاد نسمعه، حتى لا
يزعج من في القاعة.
قال المختار فيما قال: إن
المكتبة الوطنية كانت في الأصل خزانة عامة للكتب والوثائق المغربية، وترجع فكرة
إنشائها إلى سنة 1912، وافتتاحها فعليا عام 1920م، ومن ثم تم تهيئتها من جديد بنمط
هندسي متطور يحمل اسم "المكتبة الوطنية للمملكة المغربية"، وافتتحت
العام 2008م.
كنا ونحن نجوب جنبات المكتبة،
نلمس الذوق الهندسي الرفيع في تصميمها، حيث الأبواب والأسقف الزجاجية المتوزعة في
الردهات تسمح بتوزع الضوء والظلال، وفق معادلة مدروسة لحركة الشمس على مدار العام.
في فضاء آخر كنا داخل قسم
المخطوطات، وهو من أغلى وأندر الأقسام بالمكتبة، المطبوعات تحفظ هنا بعد أن ترمم
وتعالج كيميائيا، اطلعت على أحد المخطوطات النادرة كتبت بخط سرياني قديم، عثر
عليها في إحدى المقابر الأثرية بجنوب المغرب عام 2001م، تم ترميمها وعرضت هنا
للقراءة، وهي عبارة عن وثيقة توراتية طولها 28 مترا.
ومن هذا الفضاء، إلى فضاء
آخر.. لم نكل من المشي بين أروقة المكتبة، والمختار العلوي يسهب في الشرح، ويجيب
على التساؤلات، وأكثرها كانت من محمد الحضرمي، الذي أقترب أكثر ليسجل كل ما يقوله
المختار، ولأن فائزة كانت الأقرب للرجل وهو يتحدث، فقد أعطاها الحضرمي التسجيل،
ونسيته بعدئذ مفتوحا.. ليسجل كل كلماتنا الساخرة والهامزة واللامزة.
كان تعب الطواف قد أخذ مبلغه من
بعضنا، سيما ميساء وسعاد، فيما كانت ناجية البطاشي وفائزة وبالتأكيد رجاء الأكثر
نشاطا، ولذلك اكتفينا بما تيسر لنا من مشاهدات، كانت ختامها المكتبة الموسيقية
التي توفر سماع روائع الموسيقى العربية والغربية، وبعدها كنا نملأ طاولات المقهي
الفسيح الذي يطل على الفضاء الخارجي الرحب، أخذنا فيه استراحة، قبل إداء الصلاة في
المصلى الموجود داخل المكتبة.
كان الرفاق جميعا يتأملون
المكان بدهشة، وهم يتهامسون عن حلم أن يكون لدينا مكتبة وطنية في عُمان.. كنت من
على طاولة صغير جمعتني بفيصل العلوي وخلفان الرحبي أتمعن في لوحة شلال الحروف،
التي بدت واضحة من مكاني في المقهى، وأحلم كما حلم الرفاق بمكتبة وطنية في عُمان.
***
إن جئت المغرب زائرا، أو
عابرا.. أو حتى في مهمة دراسة أو عمل، فلا تنسى المرور في شارع محمد الخامس، هناك
ستكتشف المغرب بكل أطيافه ومكوناته عن قرب، فهنا البرلمان، حيث المناقشات
المستفيضة، المتفقة والمختلفة مع اداء الحكومة، وعلى مقربة منه، يمكنك أن تشاهد
بين الفينة والأخرى مجموعة من المتظاهرين، والمحتجين على اداء الحكومة، أو
المطالبين بالعمل، أو تحسين ظروفهم المعيشية، وحتى المحتجين على سياسات دول،
والمتضامنين مع قضايا تثار هنا أو هناك.
كنت والصديق فيصل العلوي، قد
قطعنا تذكرة قطار للوصول إلى محطة الرباط المدينة، من محطة أكدال، على سبيل تجربة
ركوب القطار، والتماهي في عوالمه، حين خرجنا من المحطة، اكتشفنا أننا نعرف هذا
المكان، وقد مررنا عليه كثيرا، فهناك جلسنا لنتحدث عن بيت الشعر، وهنا المكتبات
وباعة الكتب على الرصيف، وهنا مطاعم الوجبات السريعة، والمقاهي العتيقة.
وهنا أيضا المصارف ومحلات
استبدال العملة، وحتى باعة السوق السوداء الذين يأتونك حين تهم بإستبدال عملة في
مصرف ما، ليعرضوا عليك قيمة افضل للاستبدال.
سألت عامل المصرف عن سبب
أفضيلة الاستبدال عند هؤلاء الباعة، وما إذا كانت العملة لديهم مزيفة، فاجاب
بالنفي، وأنها سليمة، لكن تعامله هؤلاء الصيرفة لا يخلو من الخداع والغش في المبلغ
الذي يستبدلونه ، كما أنهم لا يدفعون إيجار ورسوم لمحلات تجارية ومتطلباتها من
تجهيزات وأعمال.
كنا نمشي أمام البرلمان، حينا
لمحنا مجموعات شبابية متوزعة في مواقع مختلفة، كل مجموعة بهيئة ولباس محدد، وهي
ترفع مطالبها، وبغيتها، كان أكبرها الواقفة قبالة مدخل البرلمان، وافرادها ينشدون
أغنية عرفتها بعدئذ إنها لفرقة ناس الغيوان، التي تزين كلماتها الكثير من
التظاهرات الاحتجاجية، تتردد بإيقاع جميل، كانت كلمات الأغاني معبرة عن حال الشباب
المغربي، وهموم الناس في أزمتهم الاقتصادية، واحتجاجتهم السياسية، كانت أصواتهم
تتوحد: الدنيا غادية يا اهلي بحال المسكين.. أرضي عاطية كنوزها مفتوحين.. لوحوش الضارية
انيابها ممدودين.. شمسي ضاوية لبيوت مغموقين.. بحوري عامرة وحنا جيعانين.
كانت المظاهرات والوقفات
الاعتصامية منظمة، بحيث لا يسمح القائمون عليها والمنظمون لها بدخول أي شخص بينهم،
لم يتم تسجيله مسبقا، ولا يرتدي السترة المخصصة للاعتصام والاحتجاج.
ولا تحتاج المظاهرات هنا إلى
أسباب قوية لتقوم وتنشأ، فهناك العشرات من القضايا والأحداث، التي يمكن أن تقوم
لأجلها مظاهرة وتنادي حتى بسقوط رئيس الحكومة، ولن تتدخل قوات الأمن طالما أن
المظاهرة لم تخرج عن اطارها، ولم تخل بالأمن، وتعرقل حركة المرور في المنطقة.
قلت لفيصل العلوي: هؤلاء
الشباب، مبدعون حتى في مظاهراتهم..
كنت أقول ذلك، وأنا أرى حركة
المرور تمضي انسيابية، والمارة يمضون لأعمالهم، فيما لافتات التنديد والشجب ترفرف
على المكان.. وهي تشير إلى أن الاعتصام سيكون مفتوحا حتى تحقيق المطالب.
***
كانت أيامنا تمضي في المغرب،
وكل مدينة نحط فيها الرحال تأسرنا بروحها الخلاقة، لم نشعر بالغربة فيها، أو البعد
عن الأهل والديار، أحببت الرباط كما أحببت طنجة وفأس ومراكش ومدن أخرى مررنا بها،
وطفنا معالمها..
وقفت ذات مرة على ربوة عند
مصب نهر أبي رقراق، أرسلت نظري للمكان، كنت أعاين المدينة العتيقة، وأتأمل الأسوار
الحصينة المحيطة، وأنظر لمدينة سلا التاريخية وهي تحتضن الأطلسي، وتمد كفيها لخيوط
الشمس الذهبية، تستقي منها النور والضياء، وتمزج بإطلالتها زرقة السماء وزرقة
المحيط.
كنت واقفا في قصبة الأوداية،
وعبرها كنت ألج بوابة التاريخ، وأرى جيوش الفاتحين، وأعاين سفن الغزاة، وأشهد
الانتصارات والفتوحات.. هنا المكان ينبئك بما تنبئك به صفحات التاريخ، ومدوناته،
وكأني أنظر لملك دولة المرابطين يوسف بن تاشفين، وهو يقود جيشه متحدا مع جيش
المعتمد بن عباد، ضد قوات الملك القشتالي ألفونسو السادس ويعيد كتابة تاريخ
الأندلس، وينقذها من ضياع محقق في معركة الزلاقة، بعدما أوقف زحف النصارى المتنامي
في أراضي ملوك الطوائف الإسلامية..
كانت قلعة الأوداية تطل
بمدافعها القديمة، وتزدان ببابها الجميل المغطى بالنقوش والزخارف البديعة، وحولها
بدت الحديقة الأندلسية جنة مليئة بأشجار الفواكه وأكاليل الغار الوردي وبشلالات من
النباتات.
كانت الصورة برمتها، تبعث في
نفسي السمو والارتياح، وأنا أنظر لكل هذه المفردات التي تجمعت في هذا المكان، بين
نهر ومحيط وقلعة وسوق شعبي.. وصورة مدينة تضج بالجمال الروحي، والجمال المكاني..
لم أفق منه إلا حين سمعت الدكتور خالد العوالمة، وهو يشير إلي وإلى الصديق فيصل
العلوي للإكتشاف عوالم البيوت المتداخلة القريبة من الأوداية.. وكنا بعدها نذرع
زنقة زيرارة، لنرتاح قرب متجر صغير، به ركن للعصير، هناك طلب العوالمة لنا كأسا من
عصير البرتقال الطازج.. قلت للشاب المغربي: زدني كأسا وكأسا.. فإن نفسي وروحي
أزدادت عطشا وولها في هذا المكان.
الأربعاء 13 مارس 2013م
للرحلة بقية