في مكان ما.. في بقعة من عاصمتنا الجميلة.. في مساحة بين
المنازل والبيوت الصغيرة، المتقاربة بعضها مع بعض، في نسق عمارني، وهندسة متوازنة،
كانت هناك حديقة للصغار، وكان بين البيوت منتزه للتريض والإستمتاع بجمال الطبيعة
والمساحات الخضراء البديعة، كان الصغار يجدون منيتهم في هذه الحديقة، يخرجون من
منازلهم، تملؤهم الفرحة، وتسبقهم البراءة، حيث الألعاب البسيطة الموضوعة هناك،
تحفهم انظار اسرهم الذين يجدون في الحديقة بعض ما يشتهون من هدوء.. وتأمل، كان كل
شئ يسير على وتيرته، منازل جديدة، وفلل حديثة تقام هنا وهناك، وجلها كان يقارب
النسق المعماري والصورة البديعة للمدينة، حيث مستويات البناء وإرتفاعاته واحدة..
والحديقة بينهم شاهدة، ضاحكة بضحكات الأطفال، وببراءتهم التي تفيض وداعة وصفاء..
كانت الصورة ذي.. متكررة، في نواحي واماكن عديدة من
العاصمة الجميلة.. تتكرر هنا في القرم والخوير والعذيبة وروي والوادي الكبير
والسيب ومطرح واماكن عديدة، كانت الحديقة مكون رئيسي وجزء لا يتجزء من تخطيط المدن
والمناطق السكنية.. ولا يمكن لنا أن نتخيل مخطط هندسي دون أن تكون مقومات الحياة
فيه.. ملاعب للرياضة، حدائق للأطفال.. مساحات خضراء.. ومساحات نقاء.. لا شئ يطغي
على الأخر، والمحصلة، مدينة متسقة.. مترابطة في الشكل والمضمون، تهفو إليها
النفوس، وترتاح الأفئدة، ويغرد الطير في دوحها، والهواء تقي.. كنقاء الرئات التي تستنشقه..
كانت الحديقة/ المنتزه، اول ما يقابلنا، ونحن نلج المدن
والمناطق السكنية في العاصمة الجميلة مسقط، في المدينة التي نتباهى أمام زوارنا،
إننا الأنقى والأجمل، والأكثر تنظيما، للمنازل مكان.. وللمباني العالية والمنشاءات
التجارية والصناعية مكان أخر.. وفي هذه الأماكن، لا وجود لناطحات السحاب، حيث لا
تحتاج المدينة لها، لتختال دائما كعروس فتية، تفرد مباهجها زينتها، وتختال
بهندستها، وصورتها المعمارية المتأنقة..
كانت هنا حديقة.. قبالة هذا المسجد، وبين هذه الدور
السكنية، امام خطوات الصغار، ييسابقون خطواتهم إليها، والفرحة تتسع البيوت القريبة
والبعيدة، والبهجة تملأ الأشجار، والزهور والبساط الأخضر الممتد بإمتداد الحديقة/
المتنزه..
كنت هنا..
كانت حديقة..
وتحولت بفعل (معلوم) الى عمارة شاهقة.. والى مشروع تجاري..
والى استثمار لطرف ما، اعجبه المكان، ولم تعجبه الحديقة.. ولم تعجبه ضحكات الصغار
في المساحات الخضراء.. ولم يعجبه النقاء والصفاء الذي يسكن المخططات السكنية، فقرر
تحويل الحديقة الى مشروع إستثماري.. يدر عليه ربحا ماديا مغريا.. ليلتفت بعدئذ الى
مناطق أخرى.. حيث تسكن حدائق أخرى.. هي مساحات جمال في عيوننا، وفي عيون
المستثمرين والمنتفعين فرص إستثمارية.. ومنافع مادية وتجارية جمة.
تختفي الحدائق والمنتزهات في السيب.. وتتبعها حدائق
القرم.. ثم حدائق مطرح.. وهكذا، تتحول المدينة في الصورة التالية، الى مجمعات
تجارية، ومباني شاهقة تقارب في وصفها بناطحات السحاب، واستثمارات عقارية، تعلو
الواحدة فوق الأخرى، والشوارع على حالها.. والمنازل على صورتها السابقة، وكل شئ
كما كان، غير إن الحديقة التي كانت هنا، او هناك، اختفت من الوجود، وما عاد لها
أثر، اما الأطفال فعليهم أن يتعودوا غياب الحدائق، والتنزه في شرفات المباني
العالية، يناظرون المجمعات التجارية، وهي تشيد وتعمر على مقربة منهم، تخفي ضوء
الشمس.. ونسمات الهواء، والنقاء الذي كان يطوق المدينة، ويرفل عليها بالبهجة..
ويوم تقوم العمارة..
يوم يهرع المستثمرون..
يوم تختفي الحديقة..
على حدائق الأطفال سلام..
وسلام على جمال المدينة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق