السبت، 23 فبراير 2013

الشمس تشرق من المغرب ـ الحلقة الثانية ـ


ونزلنا الدار البيضاء..
لم نكن وحدنا الذين جئنا محملين بالشوق، ومتلهفين للقاء، فقد كانت بوابات المطار تقذف إلى المدينة عشاقا، وباحثين عن مكامن الجمال، كانت السماء صحوا، والطقس معتدلا، وثمة رطوبة من أثر مطر عانق الأرض ذات ساعة مضت.
كنا متعبين من أثر السفر، لكني أجزم أن التعب تلاشى حين تفتحت عيوننا على بوابات المدينة وطرقها، حين لمحنا السهول الممتدة، ووطئنا الأرض الخضراء، كانت أبصارنا تلف الجهات الأربع، وترصد صور العشق المكنون في هذه البلاد.
في الحافلة التي استقللناها إلى الرباط، كنا نمطر بأسئلتنا على الشاب المغربي الذي عرفنا باسمه، وقال إنه سيكون مرافقا لنا في بعض الفعاليات التي يشملها برنامج الزيارة.
سألنا عادل عن طقس المغرب المعتاد في هذ الوقت من العام، وسألناه عن الوضع الأمني والاستقرار في بلاده، وسألناه عن أفضل الوجهات التي يرتادها السياح، وعن طبيعة الإنسان هنا، وعن الربيع العربي، ولم ننس أن نسأله عن شركات الاتصالات لديهم، وصولا إلى المأكولات الشعبية المغربية.
أتينا على كل شيء، وكان هو لا يتأفف من تكاثر الأسئلة عليه، وكأنه في مؤتمر صحفي، الكل يريد أن يسأل، حتى لو كان ذلك لمجرد السؤال فحسب.
حتى غابات البلوط الممتدة على محاذاة الطريق الواصل إلى الرباط، نالت نصيبها من الحديث، كانت أشجارها تتلاقى على مد البصر، وتتشابك الأغصان في تواد، تأبى السقوط، وترفض الموت إلا شموخا.
أتساءل: ماذا لو سقطت شجرة واحدة من هنا، هل تراها تسقط وحيدة، أم أن أغصان الشجر المجاور سيتشبث بها، ولن يتركها للمنون؟. حتما سيرمي بعض أغصانه عليها، إن لم تسقط شجرة أخرى معها.
كنت أنظر إلى تشابك أشجار غابة البلوط، حين بدأ الحديث داخل الحافلة يتصاعد بين رفاق الرحلة، والجدال يحتدم، حد الخلاف والقطيعة، هكذا ظننته في تلك اللحظة، وتمنيت لو خابت ظنوني.
لم نكن قد تآلفنا بعد، وتعارفنا عن قرب، ظننا أن الساعات التي حلقنا فيها بين السماء والأرض، في مقاعد متباعدة، كفيلة بتقارب القلوب، وتصافي النفوس، لكننا اكتشفنا أننا نحتاج إلى فسحة من الوقت لفهم بعضنا البعض، وطبيعة كل منا.
***
لم أحدثكم عن رفاق الرحلة، بالشكل الذي يمكن فهم طبيعة كل منهم، كل ما قلته، إنني أعرف بعضهم منذ زمن، والبعض الآخر التقي به وجها لوجه، للمرة الأولى، وأظن أن هذا هو حال كل فرد في المجموعة، ولم أقل لكم أن ثمة فارقا في العمر بين بعضنا، كما هو الحال في الخبرة العملية، والتجربة الحياتية، وكثرة الترحال، وحتى فهم الإيقاع الحياتي المتسارع.
لكن الجميع كان على ثقافة، تمكنه من تقبل الآخر، وفهم طبيعته، ولم نكن نحتاج إلا إلى شرارة تشعل الخلاف، ثم نحقق التقارب بعدها، التقارب المبني على احترام وجهة نظر كل منا، وفهم فسيولوجيته، وطبيعته الحياتية.
وأعترف مسبقا، أنني وبعد رحلة امتدت لثلاثة أسابيع، عرفت هؤلاء الرفاق، كما لم أعرفهم من قبل، فلم يغن التواصل مع بعضهم سنوات طويلة في فهمي لكينونته، وتعرفي عليهم عن أقرب، كانت أرواحهم تخفي جمالا لا حدود له، يحتاج إلى من ينبشه ليتعرف عليه.
أذكر وفي بالي ترتسم شخصية الصديق، والصحفي الجميل محمد الحضرمي، الذي كان أكثر الرفاق الذين تصادمت معهم في الرأي ووجهات النظر، واشتعل الخلاف بيننا، حد أنني نزلت ذات مرة من الحافلة، بعد أن تأخر علينا، ورفضت تصرفه ذلك.
أتحدث عن محمد الحضرمي، باعتبار ما يمثل وجوده معنا من قيمة فكرية، وخبرة صحفية، تمتد لأكثر من ثلاثين عاما..
هل قلت ثلاثين عاما؟!.
وأعمارنا تقترب من هذا الرقم أو تزيد عليه قليلا، خطواتنا منذ المهد في الحياة وحتى هذه اللحظة، كان الحضرمي يقضيها في دهاليز الصحافة، باحثا دائما عن المعلومة والمعرفة، يرصد مسيرة هذا المفكر، وتجربة ذلك الكاتب، ويسأل عن كل مبدع يخطر على باله، يمكن أن تتاح الفرصة للقائه في هذه البلاد.
كان الحضرمي يعتب كثيرا على وسائل الاتصال الحديثة، قال: إنها سرقتنا من الحياة، وغيرت نمطنا في العيش.
وتوالت السهام الصارخة عليه لهذا الرأي "المتطرف" في حق التقنية ووسائل الاتصال الحديثة، ومواقع التواصل الإلكتروني، والإنترنت التي اختلفنا حول إيجابياتها وسلبياتها، وأيهما يفوق الثاني.
كان محمد الحضرمي يتحدث كناسك، عن الذين استعاضوا بالسؤال عن أحوال بعضهم، والزيارات الحميمية بين الأهل والقارب والأصدقاء، برسالة إلكترونية "معلبة" تتطاير بذات صيغتها إلى آلاف الأشخاص، فأي قيمة حميمية لهذه الرسالة؟!.
على النقيض من محمد كانت ميساء الهنائي، الفتاة العشرينية التي ترى أن الآون قد حان لهجر كل ما هو تقليدي، واستخدام التقنية في كل شيء. كانت ميساء من النوع الشغوف بالقراءة والاطلاع، وقد حملت معها من مكتبة واحدة زرناها في الرباط أكثر من عشرة اصدارات دسمة، وقالت إنها ستبذل قصارى جهدها، لتشحن هذه الكتب معها، رغم وزنها الزائد، حتى لو كلفها ذلك التخلص من مقتنياتها وأغراضها الأخرى. كانت تناقش بحدة، وتتحدث كمفكرة عصرتها الحياة، وعصفتها التجارب، تخيلتها في لحظة النقاش موجا هادرا، يكاد يطيح بسفينة الحضرمي، لولا أن الشاطئ لاح لها من البعيد، فرست السفينة وهدأت العاصفة.
***
في فندق (Ubay)، أنزلنا حقائبنا بعدما أتعبها الرحيل، بين المحطات والدروب، استراح رفاق الرحلة في قاعة الاستقبال الصغيرة، ورحت أنا وفيصل العلوي نتفاهم مع موظف الاستقبال، ونستخرج الحجز الإلكتروني الذي تم للغرف المطلوبة، لم تكن التفاصيل المقدمة للفندق في موقعه الإلكتروني، كافية للتعرف على نوعية الغرف وموقعها، وحتى نوعية الخدمة المقدمة فيه، كانت تظهر بعض الملاحظات التي خلنا أننا قادرون على تجاوزها والتغاضي عنها.
أبلينا بلاء حسنا في التعامل مع موظف الفندق، الذي كاد يقع من حدة النقاش الذي شب حوله، لولا رباطة جأشه، وصبره وطول باله علينا، لصرخ في وجوهنا، وقرعنا بأبشع الكلمات.
وأقول لو أن ذلك حدث، فمن حقه، ولا لوم عليه، فقد كان يحدثنا كمن ينفخ في قربة مقطوعة، كلما تفاهم مع أحدنا، سمع احتجاج الآخر، أطال صبره علينا، حينها قرر الرفاق أن ينتدبوا أحدنا للتفاهم مع موظف الفندق، وتعريفه بالنواقص والملاحظات على غرف كل منا.
كنت من تفاهم مع الموظف، ودفعت له النقود، وشكرته على حسن تعامله معنا، وطول باله، كان إنسانا راقيا، ورفيعا في خلقه، ولم يكن ذلك غريبا في بلد ستجد كل أناسها يحملون هذه الجينات، ويتحلون بهذه الصفات الحميدة، في التعامل مع الآخرين.
إن جئت المغرب، فلا تنس أن شعبها من أطيب شعوب الأرض، فقط يحتاج من يفهمهم، ويحسن تعامله معهم، هكذا قال لي صديق قبل سفري، وهكذا وجدت الحقيقة، الحقيقة التي يريد البعض أن يشوهها عن هذا البلد الجميل.
في الطريق إلى محطة مترو الرباط، والشمس قد توارت، والليل أرخى ستائره، كنت أقلب بصري بطول الشارع وعرضه، علّي أجد بعضا من الصورة المشوهة عن هذه البلاد، كنت أبحث عن الغواني التي قيل أنهن يملأن شوارع المدينة، ويعرضن المتعة بأبخس الأثمان، أبحث، لأن الصورة التي حملوني إياها، كانت تضع علامتي استفهام وتعجب لكل من يفكر في زيارتها.
ووجدت المغرب التي أعرفها، المغرب التي تجمل الصورة الأنيقة لبلاد عربية، وفكر مستنير لشباب يشق طريقه، وينشد الغد الزاهي، وجدت الترابط والتلاحم بين الشعب وقيادته، تختلف الرؤى، وتتصادم وجهات النظر، ويعلو صوت على صوت، لكنها تجتمع جلها في المغرب وملكه، وتتوافق على تقدير الخطوات الاصلاحية والتعديلات الدستورية التي تمت استجابة لمطالب حركة (20 فبراير) وهي حركة شبابية عفوية، تزامنت مطالبها مع الربيع العربي، هذا الربيع الذي أينع في المغرب، وكان نسائمه هناك بردا وسلاما، فقد بزغت الوردة بين الأشواك، وتفتحت أكمامها، وجرى الماء ليعكس وجه القمر الباسم على زنبقة زرقاء، أمنت ولادتها في هذه البلاد.
وجدت الشباب المغربي، وهم يتبارون في تقديم إبداعاتهم وفنونهم، في المسرح والسينما، وفي المعاهد والجامعات، وفي مراكز الدراسات والبحوث، وفي المكتبات، كان هؤلاء الشباب فخرا لبلادهم، وصورة مشرفة للإنسان العربي بكل تكويناته الاخلاقية، وإرادته الطموحة، وفكره الخلاق.
في الطريق كنا نتحاور ونحن نقلب أبصارنا شرقا وغربا، ونفتش عن أقرب الطرق الواصلة إلى محطة الرباط، حين قال راشد البلوشي، إنه سلك في وقت العصر طريقا مختصرا من الفندق إلى المحطة، واكتشف المنطقة المحيطة بها، وعرف كل ما تحتويه.
كان راشد البلوشي من العاشقين للترحال، واكتشاف المدن، عرفته أول مرة في مدينة صلالة، وعرفته تاليا أكثر في رحلة سنغافورة قبل سنتين، ولا زال يذكرني بها كلما التقينا، هو من الذين لا يكتفون بالنزول في مكان دون اكتشاف محيطه، كان يمشي بطول شوارع المدن وعرضها، يركب سيارة أجرة إلى منطقة ما، ثم يواصل المشي، ويقطع تذكرة قطار إلى محطة أخرى، ويمشي وهكذا دون أن يشعر بالوحدة، أو يسأم مرافقة ذاته.
ومشينا مع راشد، دليلنا إلى المدينة التي عرفها في دقائق قليلة، من محطة الرباط، حيث التقى كل الرفاق، من السائرين في الدروب على أقدامهم، إلى الذين استقلوا السيارة، لعدم مقدرتهم على المشي، إلى الذين سبقونا في اكتشاف المكان، تأملنا صورة المدينة التي تولد في هذه المحطة.
هنا حياة أخرى..
أناس يلفظهم القطار، ويقذفهم في طرقات الرباط، كل إلى وجهته المختارة، وأناس يبتلعهم من هنا، ليقذفهم في مكان آخر، وتستمر الحياة، وحين تتزاحم الأجساد، وهي تدخل إلى المحطة، تشعر أن جميع الناس على سفر، وأن المدينة ستفرغ من أناسها عما قليل، لكنك تعود لقتل هذه الفكرة حين تجد الواصلين، وهم يشتمون هواء المدينة خارج المحطة.
يبدو أن الحياة تتمثل في قطار، يمضي عبر محطات متوالية، ثمة من يركب في هذه المحطة، ليتوقف في المحطة التالية، ما الحياة إلا سفر ينتهي في محطة ما، نقطع تذكرة السفر مع أول صرخة الميلاد، ونمضي في دروب لا نعلم منتهاها.
في تلك الليلة.. الليلة الأولى لوصولنا إلى الرباط، دعانا الدكتور خالد العوالمة وهو مسئول المعهد الذي يشرف على زيارتنا، إلى عشاء في مطعم اقترحه هيثم الشاب الأردني المقيم في المغرب من سنوات طويلة، والذي تشرب بعادات المغرب وتقاليده، وصار حاله كحال أي مواطن مغربي.
قال هيثم: إن هذا المطعم من أجمل مطاعم المدينة، ولا يقدم غير الدواجن، بمختلف وصفاتها، وهو دائما مزدحم، لجودة مذاقه، ومشينا إلى المطعم، ومشينا وكانت ضحكاتنا تتراقص على ليل الرباط، ضحكنا مع خلفان الرحبي وهو يحكي عن رفيقه في الغرفة، الذي أحضر أصنافا من الأطعمة الشعبية العمانية معه، وعرفنا سر الوزن الزائد في مطار مسقط، فقد أحضر راشد البلوشي معه الخبز والبقول والتمور والعسل والأجبان وقائمة طويلة أعيت الرحبي عن تذكرها.
وضحكنا مع محمد الحضرمي، وهو يواصل الجدال مع ميساء، وكانت فائزة الكلباني الوجه الجديد الذي تعرفت عليه في هذه الرحلة، تنظر لهذه الأحداث بابتسامة مرحة، هذه الإبتسامة التي ستكشف تاليا عن فتاة عمانية طموحة، لم تثنها العواصف عن مواصلة طموحها، وشغفها في أن تكون صحفية نابغة، وأخالها نجحت في ذلك.
كانت ساعات قليلة مضت على اجتماعنا تحت سماء الرباط، لكن الأرض التي حملتنا حينها، فرحت بالتقارب والود الأخوي الذي رفرف علينا في ذلك اليوم، والأيام التالية.
لم أكن أعرف من المجموعة غير شخوص صديقي فيصل العلوي وخلفان الرحبي ومحمد الحضرمي وراشد البلوشي وميساء الهنائي، وهاهي المعرفة تكتمل أكثر بشخوص فائزة الكلباني وسعاد العريمي وليلى الحسني وناجية البطاشي، وبالتأكيد لن أنسى رفيقتنا في السفر رجاء البلوشي.
لم تكن رجاء رئيسة المجموعة والمشرفة على الرحلة فحسب، بل كانت واحدة منا، وقريبة حد أنها وزعت كل صلاحيتها علينا، ولم تقدم نفسها في أي مناسبة كمسؤولة الفريق، إلا بعد أن قمنا بثورة، وطالبنا فيها بمجموعة من الاصلاحات، استجابت لها رجاء البلوشي، وأعادت السلطة لها.
قلت لخلفان الرحبي، إن الثورة تقوم من الشعب لينال حقه في تسير أموره، ورعاية مصالحه، لكننا هنا نتنازل عن هذا الحق، ونعيده لأصحابه، ربما لأننا لم نحسن تصريف أمورنا، فاختلط حابلنا بنابلنا، وكادت كلمتنا أن تتفرق، في بعض البرامج التي قمنا بها لاحقا.
ورغم أن الأيام التالية لم تخل من اضطربات في العلاقات الودية القائمة بين أفراد الفريق، وفي الكثير من المرات ترتفع حدة النقاش، ويعلو الصراخ بين الوجوه، حد التباعد والقطيعة المؤقتة، إلا أننا نجد أنفسنا في الدقائق التالية، وكأن شيئا لم يكن، ولذلك أقول مرة أخرى: إنهم مجموعة رائعة.
***
كانوا مجموعة رائعة، كلما نبت الجليد، سارعوا إلى إذابته، والتصافي، اختلفوا كثيرا، لكنهم اتفقوا أكثر، حتى سي محمد، سائق الحافلة، القادم من الريف المغربي إلى العاصمة الرباط بحثا عن لقمة العيش، صار واحدا منهم، وتجانس معهم، حد أنه تمنى زيارة عُمان، هذه البلاد التي تحدثوا عنها كثيرا، قالوا له عن طبيعتها، وعن تضاريسها، وعن تاريخها، ولكنهم لم يقولوا شيئا عن مواطنيها، فقد كانوا أنموذجا مشرفا، عرف سي محمد من خلالهم صفات العمانيين وخصائلهم الطيبة، أحبهم كما أحب مواطنيه، وشعر بالقرب منهم، هذا الشعور الذي رسمته دمعات الفراق حين أوصلهم إلى المطار، ولا أدري كم استمر بكاؤه على رحيلهم عنه، وما إذا كانت الحياة ستفسح له للقائهم مرة أخرى.
في الليلة الأولى، شعرنا بدفء المغرب، وكأننا جئنا هنا كثيرا، وعرفنا هذه الأرض كما عرفتنا هي، وحين عدنا إلى الفندق بعد العشاء، تهنا في الدروب الواصلة إليه، ولم نتذمر، كنت ورجاء البلوشي وفيصل العلوي نمشي وكأننا نعرف الطريق إلى أين يقودنا.
شاهدنا مقر الإذاعة والتلفزة المغربية، فأشارت إليه رجاء، إن هذا المقر يقابل الطريق الواصل إلى الفندق، شعرت بالانتصار على أقدامنا التي قادتنا في دروب متداخلة، وأن قلوبنا سكنت المكان، وهي تعرف طريق العودة.
في الطريق الذي أشارت إليه رجاء البلوشي، مشينا خطوات وخطوات، وتباعدت الأمكنة، وامتد الزمن ليقارب الساعة، ونحن ندور في فلك، لا نعرف نهايته، وكانت رجاء تصر أن الفندق قريب من مقر الاذاعة والتلفزة المغربية، وأنها مشت هذا الطريق قبل ساعات، قلنا لها: إننا مستمتعون بالليل وجماله الأخاذ، ونسيمه العليل، ولن يضر أقدامنا المشي قليلا، من أجل اكتشاف وجه المدينة.
ولم يطل بحثنا، فقد عرجنا إلى طريق صغير، ظهر لنا فيه مبنى الإذاعة والتلفزة المغربية المنشود، كان مقرًا آخر يختلف في الهيئة والتكوين، ووصلنا إلى الفندق، وقد أضنانا التعب، وحين ارتميت على السرير، لم أدر أكنت نائما في الرباط، أم في مكان آخر.

للرحلة بقية
مسقط ـ 20  فبراير 2013م

السبت، 2 فبراير 2013

الشمس تشرق من المغرب ـ الحلقة الأولى ـ



أن تأتي إلى المغرب على وقع حلم قذفته في ليلة دون أن تدري مستقره، أن تجوس شوارعها، وتتسكع في أزقتها، على جناح أمنية أطلقتها ثم لم تدر أي ريح حملتها، أن تسافر إلى بلاد مثقلا بالحنين، ومتدثرا بالشوق، فلا مناص أن تكون رحلتك هذه من أجمل الرحلات.

تتذكر وأنت تحلق بين السماء والأرض، حين قلت قبلها أن أمنيتك أن تزور هذه البلاد، وترحل إليها في أيام غير معدودة، وتتنقل بين مدنها وقراها، حتى تشبع منها.. وتتذكر كيف نمت ليلتها، على وسادة حلم يعيد صدى الأمنية إليك، وحين تستيقظ، تجدها قد انبلجت كفلق الصبح.



 

بين الدار البيضاء والرباط وفأس وطنجة ومراكش ومدن وقرى أخرى تسكن بينها.. عشت ثلاثة أسابيع متنقلا كمن يغرف من رحيق زهرة ليحلق إلى زهرة أخرى، كانت المدن المغربية تتبارى في إبداء مفاتنها، وكشف محاسنها، وكنت أنا أهيم في دروبها، أفتش عن الذين عبروا من قبلي هذه المدن، وهاموا بها.. وغرسوا جذورهم في هذه الأرض، واثمروا هناك.

لا أعرف لما قفزت المغرب في خاطري ذات ليلة، وأنا أبوح عن شوق لسفر آخر، سفر ينتشلني من سجن الروح ومن حياة بدت رتيبة دون أن تحلق في فضاءات رحبة.. وتنشر اجنحتك بين السماء والأرض.. أشتقت للسفر، وحددت هذه المرة ما أريد، وكيف أريد، قلت أريد أن أسافر، وقلت إن وجهة الطائر الحالم فيّ هناك في أقصى بلاد العُرب، حيث تطوان التي تغنينا بها، وطنجة ومراكش والرباط.. وقلت إن رحلة كهذه لا أريد لها أن تنتهي.

لكن الرحلة انتهت.. وأنا ما رويت عطشي منها بعد، وكما كنت أقطع الشارع في مسقط في طريقي إلى المطار، عدت في اللحظة التالية اقطعه، وقد عدت محملا بالحنين إليها.. كانت الساعة حين سفري تقترب من الثالثة فجرًا.. وكانت تقترب من الرابعة فجرًا حين عودتي بعد ثلاثة أسابيع.. الأيام تلك جلها مضت كما مضت الساعة بين الثالثة والرابعة فجرا.

كان مطار مسقط كما هي عادته ينشط ليلا، ليودع المسافرين ويستقبل الواصلين، كنت والصديق فيصل العلوي نحمل أمتعتنا، ونحن نتأهب لسفر يكتب ذكراه في حياتنا، ومعنا كان مجموعة من الأصدقاء، اصافح وجوههم للمرة الأولى، والبعض الآخر عرفته من اسفار سابقة..

وكما هو حال السفر دائما، يكون مربكا للبعض، وصادما للبعض الآخر، فإن من المألوف في هكذا مواقف أن ينسى البعض جواز سفره، أو أن ينسى توقيت السفر فيأتي متقدما أو متأخرا.. كنت أرقب ذلك وابتسم من الموقف الذي جعل أحد زملاء الرحلة يحضر جواز سفر غير جوازه، لم يفطن إليه إلا عند وزن الأمتعة، واستكمال اجراءات الرحيل.. ثم تداركه بإتصال هاتفي وجاء الجواز المطلوب بعد برهة زمن لم تطل.

كانت حقائبنا مجتمعة قد تجاوزت الوزن المسموح به، ولم يكن أمامنا إلا التضحية ببعض الحمولة، وحمل الباقي على أكتافنا.. كنت أحمل مؤلفات عدة خلتها ستكون ونيسي في سفري هذا، وزادي حين يطيل بنا السفر، ولا أجد من اتحدث معه..

***

 كان زمن الرحلة يمتد لثماني ساعات تزيد قليلا.. في فترة التوقف بين محطة وأخرى، وكان النهار قد مد خيوطه الأولى، والشمس تأهبت للشروق حين حلقنا ثانية من دبي بإتجاه الدار البيضاء، مضيفة الطائرة تعلن أن الرحلة ستسغرق ست ساعات ونصف وسنطير على ارتفاع (...) ألف قدم بسرعة (...) ميل في الساعة، لم أهتم بالأرقام فقد كنت أرقب السماء خلف النافذة، وخيوط الصباح تنشر الأمل على الأرض الفسيحة، وبينهما كنت أنشر أجنحتي وحيدا أرسم على السحب المتناثرة أحلامي الملونة..

السفر فرصة للتأمل، والاختلاء بالذات، اشتقت إلى نفسي، كادت أن تتوه مني في زحمة الحياة، وبالكاد وجدتها، وهاأنا أمامي ست ساعات أو تزيد، أجلس معها وحيدا، اسمعها وتسمعني.. لا شيء سيقطع خلوتي بها، حتى صوت المضيفة الحسناء، وهي تمد لي بقائمة الطعام المقدم، أو تسألني عما أود شربه من العصائر والمشروبات المقدمة..

ـ لا شيء.. قليل من الماء يكفي!

لكنني وجدت أصابعي، تشير إلى عصير أحمر قان، اشتاقت له نفسي وقررت تنفيذ رغباتها.. وطلبتها ممزوجا بقطع الثلج.

كان طعم عصير الطماطم المثلج في فمي، يحفزني للتأمل أكثر، والرواية التي قررت استكمالها في هذه الرحلة، بقيت مفتوحة على الصفحات الأولى، فيما شاشة الفيديو قبالتي، تعرض فيلما عربيا كوميديا.. لم يضحكني للأسف!.

كنت أتخيل متاهات الرحيل، وكيف أن الأرواح تحلق دون أن تدري أن ثمة رحيلا أبديا آخر ينتظرها.. ولعله يكون قريبا طالما أنها معلقة على كف الهواء بين السماء والأرض، وهاهي الوجوه الصامتة في هذه الرحلة، تنظر للأبدية دون أن تعرف أي لحظة فاصلة، تقطع الخيط الواصل إليها..

في محطات السفر، كما في الحياة، تتصافح الوجوه، وتسافر معا من محطة إلى أخرى، ينزل أناس هنا، ويصعد أناس أخرون، وتستمر الرحلة، غير أن في السفر يعرف المرء أي محطة تالية سينزل إليها، لكننا في الحياة، لا نعرف في أي محطة سنتوقف، وعلى أي رصيف سنمشي.

كانت كتل السحاب قد بدأت تتلاشى، والسماء اتسعت، والكتاب المفتوح أمامي على حالته الأولى، وخط الطيران يقول إن مسار الرحلة ما زال طويلا.

أطلب عصيرا آخر..

أشربه بمهل، ثم أقوم من مكاني، أمر على أمكنة رفقاء الرحلة، وأفتش بدءا عنهم، في أي الكراسي يسكنون، أنظر لحال بعضهم وقد أستسلم للنوم، والبعض يثرثر، وآخر يتصفح كتابا، ألقي عليهم التحية، من مكاني الذي أنظرهم فيه، وأعود لمكاني، أعاود تقليب قنوات الأفلام المعروضة، لا شيء يعجبني، استمع لمعزوفة موسيقية، وأستسلم بعدها للنوم..

أفق من نومي على سؤال المضيفة، عن اختياري من قائمة الطعام المقدمة.. أنظر في قائمة الطعام.. لا شيء يعجبني، تحثني المضيفة على الاختيار، أنظر إليها، ثم أسند رأسي على المقعد، أقول لها: أحضري أي شيء.. أي شيء!.

ترمقني بارتياب، وتمضي لحال سبيلها.. تمضي كما يمضي بنا هذا الطائر، وكأنه واقف دون حراك، لولا السحب القليلة التي بدت تظهر أسفلنا، وهي تمر مر الجبال.. والشاشة المنصوبة أمام مقاعدنا تشير إلى حركة الطائر، وسرعته، وأين موقعنا في خارطة متداخلة التضاريس.

تأتي المضيفة بعد برهة من الزمن، تدفع عربة الطعام أمامها، توزع الطعام على المسافرين، تصل إلي، تبسط مسند مقعدي، تضع عليه فوطة بيضاء، تضع أطباق الطعام، وتسألني عن شرابي.. أشير إلى علبة مشروب غازي، تفتح العلبة، وتسكب محتوياتها في كوب بلاستيكي، تناولني أياها.. وتغادر دون أن تنتظر مني كلمة شكر، أو حتى ابتسامة.

أنظر لمائدتي.. وأنا أحملق في المسافرين، الذين انشغلوا بتناول طعامهم، وكأن بعضهم لم يأكل منذ أيام، أو لم يفارق أحبابه، ولم يشتاق لآخرين في انتظاره.

وكما جاء الطعام.. عاد ثانية، وعدت أجوب ممرات الطائرة، أطمئن على أصدقاء الرحلة، لكن المطبات الهوائية، أعادتني لمقعدي، وكان أن لزمته حتى لحظة الوصول..

كانت الدار البيضاء، تبدو من الأفق لوحة سريالية غير مكتملة المعالم، مباني متداخلة كأنها مكعبات لعب الأطفال، وتداخلات بين اليابسة والماء، هنا يفتح ميناء المدينة ساعديه ليستقبل البواخر المحملة بالبشر والحجر، وهناك على المقربة تتضح معالم مسجد كبير، بمناراته الشاهقة، والطرق كأنها أخاديد في وجه المدينة، أما باقي التفاصيل فتبدو متناهية الصغر.

كنا نقترب، ولوحة المدينة تتضح شيئا فشيئا، رأيت وجوه المسافرين، وهم يطلون من نوافذهم، يتحينون لحظة الوصول، ويسابقون الشوق لمعانقة دروب المدينة، كانت المضيفات تمر علينا، المرور الأخير للتأكد من ربط أحزمة الأمان، واعادة المقاعد إلى وضعها الطبيعي، وكان العطش حينئذ قد بلغ مبلغه مني، لكني لم أطلب الماء.. كان عطشي من نوع آخر.. عطش قرأته المضيفة في عيني..  وابتسمت!.

 

***


حين توقفت الطائرة، أطلقت زفرة محملة بالأشواق، ونفضت عن كاهلي وعثاء السفر، ورحت أستعيد الحلم الذي حملني إلى هنا..

ـ ما رأيك أن تذهب إلى المغرب؟

قالت لي رجاء البلوشي، وهي المسئولة عن التخطيط والتدريب في وزارة الاعلام، وراحت تحدثني، عن برنامج الرحلة الذي سيمتد لثلاثة أسابيع، قالت لي: أنهم يخططون لأخذ مجموعة من الصحفيين للإطلاع على الثقافة المغربية، وستشمل الجولة زيارات ميدانية لمراكز وهيئات ومؤسسات ثقافية واعلامية وفنية، وزيارت لمدن مغربية، وبرامج أخرى يمكن أقتراحها خلال الزيارة.

كانت رجاء البلوشي، تحدثني عن مقترح الزيارة، وفكري يشرد للبعيد، ثم عدت لأتأكد منها: أحقا تقولين المغرب؟!.

وعادت لتؤكد على حديثها: نعم المغرب، وأطلب منك البحث عن سكن مناسب للمجموعة التي ستسافر معنا.. يمكنك أن تنسق في مواصفاته مع الزملاء، قلت لها أنني أعرف المغرب مدينة.. مدينة، رغم أنني لم أسافر عنها، لكنني جبتها في الأشعار والروايات، وطفتها في الكتب والمؤلفات.. أعرف المغرب، كما أعرف نفسي، فقد قرأتها عنها في روايات محمد شكري والطاهر بن جلون، وطفتها في أشعار سعدي يوسف وجان جنيه وحتى عبدالله الريامي ومحمد الحارثي وزاهر الغافري.

وبدأ مشوار البحث عن سكن، كان ذلك سانحة للتعرف عن بلاد المغرب عن بعد، وتطواف مدنها سيما الرباط، التي ستكون مستقرنا، كنت وأنا أفتش عن نزل نأوي إليه، أبحث عما يجاور هذا المكان، وعن الطرق المؤدية إليه، والمعالم المحيطة به.. وجبت الرباط من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ومن المدينة العتيقة المطلة على الأطلسي، حتى مركزها، أقتربت من نهر أبي رقراق، وصومعة حسان، وتعرفت على أحياء سكنية مثل أكدال، والصاغة وبرج حسن وقصبة الأوداية.

كنت أسرد تفاصيل ومواقع الكثير من الفنادق والنزل الموجودة في العاصمة الرباط، وكأني أقلبها بين أصابعي.. فهذا الفندق يقع بالقرب من المدينة القديمة والمنطقة التجارية، وذاك عند مدخل المدينة غير بعيد من الشاطئ والمرسى، وذا يطل على قلعة قصبة الأوداية، وذا يقبع داخل أسوار المدينة العتيقة، وهذا في وسطها بالقرب من معالم سياحية ومراكز تسوق.

كانت الخيارات عديدة، كما كانت الرؤى كذلك، ولذا لم نستطع أن نتفق على فندق بعينه، فكان أن حجزنا لثلاثة أيام في أحدهم، حتى يمكننا أن نبحث عن مستقر مناسب عن قرب، حين وصولنا.

في اللقاء الأول الذي جمعنا قبل السفر، تعرفت على رفقاء الرحلة، كانوا في مجملهم لطفاء، ومدهشون، أعرف بعضهم منذ زمن، والبعض الآخر ألتقيه للمرة الأولى.

في هذا اللقاء، تحدثنا مع بعضنا البعض، وتحاورنا في كل شيء، من البرنامج المعد للزيارة، وحتى مواصفات السكن، مرورا باللباس الخاص بالزيارات الرسمية، وغير الرسمية.

أخبرتهم عن مناخ المغرب وطقسه البارد في هذه الفترة من العام، وطلبت منهم أخذ الملابس الثقيلة، حيث درجة الحرارة تتفاوت بين العشر درجات مئوية والعشرين درجة، وعن الأمطار التي بدأت تهطل هناك.

كان بعضنا يسأل عما ترتيبات السفر.. وعن موعد التواجد في المطار.. وعن الوزن المسموح به.. والعملة النقدية التي سيحملها معه.. وكأنه سيسافر للمرة الأولى.. كنت مندهشا لهذا الشوق الذي ينسينا كيف يكون السفر، وماذا يحتاج.

***

كنت والصديق فيصل العلوي أول الخارجين من بوابة الطائرة، بعيد توقفها في مطار الدار البيضاء، أو كازبلانكا، كانت السماء صافية، ودرجة الحرارة معتدلة نسبيا، توقفنا في الممر بانتظار استكمال المجموعة المرافقة، كان البعض يئن من وزن الحقائب التي حملها على أكتافه، والمسار الطويل الذي سيسلكه مشيا للوصول إلى نافذة انهاء اجراءات الدخول.

اتفقنا على اللقاء عند مكان وصول الأمتعة، كانت ملامح تشكل شللية المجموعة قد بدأت تتضح، أقول شللية ولا أقصد بها التشرذم والخلاف، بقصد استئناس كل فرد منا بشخص آخر من المجموعة يكون رفيقه، والأقرب حظوة إلى شخصه، دون التقليل من مكانة باقي الأشخاص.

بدأ ذلك من اختيار الغرف المتوافرة للسكن، وهي غرف بعضها ثنائي والأخرى مفردة، قرر خلفان الرحبي وراشد البلوشي أن يكونا معا في غرفة واحدة، وكذلك الحال بالنسبة لمحمد الحضرمي وخالد الحارثي، وأخترت أنا والصديق فيصل الأقامة معا، أما الدكتور خالد العواملة فقد اختار أن يكون في غرفة مفردة، وكذلك فعلت رجاء البلوشي، وسعاد العريمية وناجية البطاشية وفائزة الكلباني، واختارت ميساء الهنائي أن تكون في غرفة مشتركة مع ليلى الحسني، وهي التوزيعة التي ستستمر معنا حتى السكن الأخير الذي سننتقل إليه في أيامنا الأخيرة في هذه البلاد.

أمام نافذة إنهاء إجراءات الدخول، كان الطابور يصطف طويلا، وكانت توزيعات الصفوف تتم حسب جنسيات المسافرين، فهنا صف للمواطنين المغاربة، وهناك لدول اليورو، ومسار آخر لحملة التأشيرة، ومسار لعموم المسافرين الذين لا ينتمون إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

كانت عدسة تصوير صغيرة تبرز من نافذة الأمن، لتأخذ صورة للمسافر، قبل ختم جوازه والسماح له بالدخول، ولذلك حين وصلت حاولت أن أبتسم رغم وعثاء السفر، قدمت جواز سفري لموظف الأمن، نظر إلى الجواز، وراح يترنم: عُمان يا عُمان، عُمان يا عُمان.

حين سمعت ترنمه، سرى في نفسي ارتياح كبير، سمعته بعذ ذلك يسألني عن مستقري في المغرب، قلت له واثقا: سأكون في الرباط، في فندق (Ubay).

كان أسم الفندق ذو الثلاث نجوم، والواقع في وسط المدينة، قريبا من برج حسن، ربما غير مألوف خاصة لرجل أمن جل عمله في مطار الدار البيضاء، وربما لا يملك الرجل الدخل الكافي للسكن في فندق حتى لو كان يتزين بنجمة واحدة.

بعد الانتهاء من اجراءات الدخول، والتعرف على أمتعة الشحن، كنا نسير بجانب رجل عرفنا بنفسه، عادل من مركز خالد الحسن، وسيكون أحد الذين سيرافقوننا في البرنامج المعد للزيارة.

خارج مطار الدار البيضاء، تنسمت هواء المغرب، محملا بالعطر الذي اشتاقته نفسي، أمتلئت به، وكعصفور حط في عشه بعد ضنا، رحت أضم الهواء إلى صدري، وأنا أقبله، وأطفئ الحنين إليه.

تأخرت عليك..

والشوق إليك يكتبني، في الطائرة، لم أنظر إلاك، وأنت ساكن بعيد عن عيني، لا أعرف كيف هي محياك، وكيف صارت ملامحك، وما هيئتك، لا أعرف عنك شيئا غير أسمك، لكنه كان يحمل بين حروفه معنى لصيرورتك.. أنت أيها الساكن هنا، هاقد جئت إليك، وها أنا أقف مستقبلا صورتك.. كم تبدو في نظري جميلا!، أشعر أني أحبك من أول نظرة.


للرحلة بقية..

مسقط ـ 28 يناير 2013م