اعترف بدءا أنها ليست قراءة نقدية، ولا تنشد ذلك، بقدر ما
تسعى للتنويه بكتاب أجد أنه لم يأخذ حظه من الاهتمام رغم قيمته الفكرية ومضمونه حول
التأويل الدلالي لمفردة "الشعر" بالنبش عنه بين ثقافات وتراث الشعوب، وهو
ما تفتقده المكتبة العربية إلا فيما ندر من مؤلفات يسيرة.
في (سحر الكلام) يحلق الكاتب ابراهيم سعيد مع روح الشعر،
المنسلة من ثقافات وآداب واساطير حضارات تلاشت، وأمم انطمست، وشعوب ما زالت تحمل أوزارها،
ولم تضع ثقلها بعد، ينبش ما يشي إلى الدلالات والمعاني التي يحملها الشعر في جوهره،
ويتضمنها القصيد بين مفرداته، دون أن يخرج عن مسارها، وكأنه ملازم للحظة ميلاد الشعر،
وانبثاق مفرداته من رحم الأسطورة، أو من خزائن ثقافة أمة، أو مدفون في تراث حضارة بالية،
دون أن ينشغل بالقضايا التاريخية والتأويلية المرتبطة بهذا النص أو ذاك، وإنما ينهل
من زهر القصيد مراده، ثم يطير إلى زهرة أخرى وينبش رحيقها، ويخرجه كلاما مصفى، لذة
للقارئين.
ابراهيم سعيد القادم من بدية، المحمل عبق وجماليات هذه الولاية
البهيجة، ما ان تطالع كلماته، حتى ترى في تخومها التفاصيل الساحرة للطبيعة الجميلة،
حيث الصحراء تمد رمالها لتتشابك مع السماء في آخر الأفق، والشمس ترسل اشعتها فيحتضنها
سعف نخيل الواحات المتوزعة بين فيافي الصحاري، وتنعكس صورة السماء في بقعة كأن الماء
يلفها والريح تتخللها، فينساب من بينها عطرا خالدا، يغوي على البقاء في هذا المكان.
أما ليل بدية فحدث عنه، ولا تنسى جمالية القمر فيه وهو يختال
بين نجوم فرحة باضاءة هذا البقعة من الأرض، هناك يمكن للمرء ان يتمدد على كثبان الرمال
في لحظة تأمل، ويرسل بصره للسماء، دون أن يرجعه مرة اخرى، فالغواية تسكنه على الابحار
في فضاءات بدية، والتحليق نحو السماء، والاستماع إلى همس النجوم، وصوت الليل الصاعد،
يحمل الروح حين تنسل من الجسد، دون أن تفارقه، وتسكنها الخفة، فتنعتق من الجسم الذي
يكبلها ولا تمنع عنه الحياة.
توافق بديع للطبيعة في بدية |
من هذا البذخ الجمالي للطبيعة البديعة ليلا ونهارا في بدية،
يأتي ابراهيم سعيد محملا بقيم الجمال ومعانيه، كنسمة (كوس) تهب من نخلة تداعب وجه الريح،
وتفسح للعصافير مكانا تغرد فيه.. فتختلط زقزقاتها، بالفراشات الساكنة اشجار الغاف والسمر؛
مما يغري السحب فتكتمل اللوحة زهوا، بعناق المطر والرمال.
ابرهيم سعيد كما هذه الطبيعة الرائعة التي تلونها بدية بألوان
الطيف، لا تملك امام كلماته، إلا الوقوف مشدوها، وروحك تحلق بين مفرداته، وهي تتلذذ
بكل حرف ومعنى، ولذا لا غرابة ان يحمل اصداره الثاني عنوان (سحر الكلام)، على الرغم
من أنني ازعم إن اضفاء صفة السحر على الكلام قصد بها ابراهيم ان تكون لاستشهاداته التصديرية،
التي جعلها مفتتحا للتأويل، يجوب بالشعر في بحار الأساطير بين الحضارات وأمم سابقة
ولاحقة.
(سحر الكلام) هو الاصدار الثاني لابراهيم سعيد، المقل في
اصدار الكتب رغم الحصيلة الواسعة لديه من المقالات والنصوص التي ينشرها في مطبوعات
ورقية، من صحف ومجلات، بجانب حصيلته من المواضيع والنصوص التي نشرها عبر مدونته التي
تحمل اسمه، أو عبر مواقع إعلامية إلكترونية ومنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي على
شبكة المعلومات، ويحسب للشاعر سيف الرحبي تبنيه لفكرة هذا الاصدار، الذي هو عبارة عن
مجموعة حلقات كتبت ـ كما يقول كاتبها ـ لصالح الإذاعة العمانية في ربيع 2008م، وقد
بثتها الإذاعة حينها بفريق عمل لطيف.
ولأن الكتابة للإذاعة شيء، وإخراج هذه النصوص في كتاب شيء
آخر، فقد اعاد الكاتب ابراهيم سعيد تحرير مادة الحلقات بما يتناسب مع هيئتها الورقية
الجديدة، دون أن يفقدها بريق النغم الذي تغلفت به إبان بثها اذاعيا.
وللإشارة بدءا، فقد اصدر ابراهيم سعيد قبل (سحر الكلام) مجموعة
شعرية يتيمة حملت عنوان (معمار الماء)، وقد صدرت عن دار شرقيات في مصر العام 2006م،
ورغم اللغة الشعرية الرفيعة لمجموعة (معمار الماء)، والنصوص الممزوجة برائحة المكان
العماني، وجمالية الموسيقى الصاعدة منها، إلا أن ابراهيم انضوى بعيدا، وكأنه يحسب لخطواته
القادمة، ولا يريد أن يضع اسمه على كتاب دون أن يثق تماما، أنه قادر على المشي في لجة
الماء، دون أن يبتل.
وللدلالة على لغة ابراهيم الشعرية، ورقي المفردات عنده، واللغة
التي تلبسته في نصوصه النثرية اللاحقة، نشير إلى مقطع من قصيدته (معمارُ الدهشات) التي
يقول في أحد مقاطعها:
من بُحيرة ِ النيازك ِالتي أبدَعْتُ
أسقيتني وعلمتني
في معمارِ الماء أقفُ
أنسجُ منَ الأفقِ والبحرِ وشرارةِ الأجرامِ ولطائفِ الهواءِ
النديِّ
مواقف حياة الجمال والبهجة
أزلاً للأبد.
لكن ابراهيم الذي توارى عن اصدار مجموعة شعرية ثانية، لم
يقطع اتصاله بقارئيه، فاطل عليه بنصوص نشرت في مواقع مختلفة، حتى كانت التجربة الاذاعية
له في إعداد حلقات برنامج تعنى بالتأويل الدلالي للتراث العربي، هذه الحلقات التي اجتذبت
جمهورا من المستمعين بفضل لغتها الرقيقة، ومفرداتها الجزيلة، وحروفها المدهشة، وانتقائها
الفريد للمعاني والدلالات التي تضمنها، حتى خرجت للقراء ورقيا ضمن كتاب مجلة نزوى الفصلية
في أكتوبر 2012م.
ولن يفاجأ القارئ كثيرا، وهو يقرأ نصوص الكتاب، فكأنه يقرأ
الشعر بعينه، أو هو أقرب إلى إيقاع موسيقي تبعثه مفردات النص، حين تسبر أغوار الشعر،
وتقبض على روحه الهائمة في ملكوت القصيد، متتبعا السر العجيب الذي تضمه بين دفتي حروفها،
كما لؤلؤة تختبئ في محارة تسكن قاع بحر سحيق.
يقبض ابراهيم سعيد على روح الشعر من منابعه، حين يطوف على
اساطير سومر وبابل والاغريق وقبائل العرب وحضارات من الشرق والغرب قديما وحديثا، ليرينا
من كلماته، كيف أن البيت الشعري الجميل لن يموت، ولو تطاول عليه الزمن، وتبدلت الأيام
وتعاقبت السنون، (فمرور الزمن الشعري ليس كمرور غيره من الأزمنة، الزمن الشعري زمن
يكبر فيه الشعر ولا يذوى ولا يشيخ ولا يهرم ولا يموت، هكذا يتنامى ويتسع الكون الشعري
مزينا بأقراط القصائد والقلائد والأسوار والتيجان والعواضد والأحجال والخواتم، بمجوهرات
الشعر والجواهر الشعرية التي تتلألأ كالنجوم في أنهار المجرات وبحيرات الكون).
يستفتح الكلام سحره، باستهلالة من الأساطير السومرية، يقول
نصها: (أيها الملك يا شجرة (الميس) القائمة في (الأيسو) مشرفة على الأرض/ المنتصبة
في (إريدو) كتنين شامخ/ تحمي العالم بظلها أيها البستان ذو الأغصان المنتشرة على البلاد
كلها).
هذه الاستشهادية تصدرت نص "شعر في ثياب الأساطير"
ولنلاحظ هنا الاختيار المبهر للعناوين، وكيف تم انتقاء مفرداتها بعناية تامة، تبعث
ذات السحر الموسيقي الذي سنلمسه في باقي نصوص الكتاب، من قبيل عناوين مثل النشيد والتاريخ
وقيثارة شريدة وخيول الشعر السكرى وطعم الأعشاب الشعرية وإدخال الروح في الكلمات وقلب
الشعر البدوي وعناوين جمالية أخرى على ذات النسق البديع.
إن المتأمل في نص مثل "شعر في ثياب الأساطير"،
يجده لا يعرج كثيرا على حضارة سومر، ولا يتحدث عن تعدد الآلهة في فترة السلالة السومرية،
لدرجة أن أصبح لكل شيء إله ولكل ولاية آلهة، بل سيقرأ ويطالع اللغة الساحرة التي تحكي
عن مقدس، وكيف تبني القصائد بطوب الفخامة اللفظية، وسيعرج ـ وهنا تتجلى بلاغة التأويل
ـ، إلى شعر لأوزوريس في الأسطورة الفرعونية.. مستشهدا به ليكمل نسق بناء الدلالة، ويرصد
معنى الشعر وكيف استطاع أن يثبت جمالا ذائبا ومتماهيا وذاهبا وعلى وشك التلاشي في الزمن
؟.
ينساب الشعر ويتحرك، وبتحركه ينساب الكلام، ينساب من أسطورة
سومر ليعبر إلى الأسطورة المصرية "أوزوريس"، الذي يعدّ عند عرب وادي النيل
بطلا ثقافيا، وأب ربّانيّ لشعبِ مصرِ النيل، وقد أصبح أوزوريس سيّد الحاكمين في مملكة
الموتى يتولّى حسابهم حيث يجازي الأخيار ويعاقب الأشرار، فقد كانت العقيدة المصرية
القديمة تؤمن بالبعث والحساب، وكان للعقائد الجنائزية والاحتفاء بالموتى مكانة كبيرة
عندهم، وتسرد الأسطورة مشهد ما بعد موت "أوزوريس" ورحلته إلى دار الأمن ومقرّ
الأرواح وعالَم الموتى حيث يُقيم مُنتظراً ذرّيته وشعبه لحسابهم.
لكن إبراهيم لا يتطرق لكل ذلك، فهو غير معني بنبش الأسطورة
قدر عنايته بنبش جمالية المفردة الساكنة فيها، ولذا نجده يرصد مكامن المعنى في غناء
الآلهة الفرعونية إيزيس، وينصت للأنغام التي تنبعث من ناي أوزوريس والتي تغني عليها
إيزيس أغنيتها الرائعة.
يكتب ابراهيم في هذا المقام عن غناء إيزيس وعن اغنيتها الرائعة
(في نبراتها الصفاء والانقباض على السواء، ذلك الصوت الذي ينتقل من الضد للضد أيضا:
من هبوب العاصفة العاتية إلى شروق الشمس الناعم، ذلك التعبير الخالص عن الحب اللانهائي،
إنه الأسلوب الوحيد للتعبير عن المجهول، وهنا لا مناص من أن يكون التعبير عن الحب اللانهائي
بالتعبير اللانهائي، أي باللغة المفارقة التي يجري سبكها في الهيروغليفية).
ثم ينتقل ابراهيم في نص تال، إلى نبش نص الطوفان البابلي،
ولا يعرج الكاتب إلى ايضاح هذا النص إلا بشكل يسير، يقول إنها معروفة في عالمنا المعاصر
بطوفان نوح، رغم ان الأولى اسطورة والثانية حقيقة لا لبس فيها.
ومرة أخرى أشير إلى مرد ذلك ـ عدم ذكر تفاصيل قصة الطوفان
البابلية ـ لأن التأويل يقتفي أثر الشعر، ويتتبعه من اسطورة إلى أخرى، ولا يرنو إلى
غير ذلك (وفي معظم القصائد الخالدة قديما وحديثا نعثر على أسطرة الوقائع على قصص تصير
مرفوعة بالخيال إلى مستوى رفيع ويعاد انتاجها في الواقع).
ان المتأمل للاستشهادات التصديرية التي تفتتح نصوص الكتاب،
جلها يدور حول الاساطير والشعر، ويربط ما بينهما خيط رفيع، لا يدركه إلا ماهر حاذق،
يمتلك الفراسة والبصيرة، ليستل روح الشعر من كيان النص، ثم يعزف على أوتارها لحنا شجيا،
يخيل لك أنك تسمعه وأنت تقرأ نصوص الكتاب.
فمن بعد نص سومر، والطوفان البابلي، تصادفنا مقاطع مستقاة
من القصيدة الشهيرة للشاعر اليوناني هوميروس الإلياذة ويحبك الكاتب على منوالها إلياذة
أخرى، تتدثر بدفء الشعر وهو يعزف على قيثارته، كما هوميروس الذي لن يصمت.
(لن تصمت يا هوميروس/ فالقيثارة الخالدة لا تزال بيدك/ والقلوب
هي القلوب/ فدع أوتارها تملأ الدنيا رنينا/ فقد أوسعتنا هذه الدنيا أنينا..)
ويأتي النص متسقا ومتوافقا مع المقطع السابق، (لن تصمت يا
هوميروس لأن القيثارة الخالدة بيدك، والقيثارة الخالدة هي القيثارة الخارجة من حدود
تأثيرات الزمن، إنها القيثارة التي ستدوم مهما تغيرت الحقب، القيثارة التي ستعزف كأنها
لا تزال جديدة بين يدي هوميروس..).
ومرة أخرى تتجلى قدرة الكاتب على الامساك بأدواته، والربط
في الروح والمعنى بين نصوص الكتاب، وكأنها كينونة واحدة، بذات الروح، فالقيثارة التي
بيد هوميروس، هذه القيثارة تؤكد خلودها حينما تصادفنا في استشهاد يتصدر نصا آخر معنونا
بـ(إدخال الروح في الكلمات) والذي يتصدره مقطع شعري للكسندر بوشكين:
(لا لن أموت كلي/ روحي في قيثارة أليفة/ ستحيى رفاتي وتمنع
انحلالي/ وسأكون مجيدا طالما تحت القمر/ بقي حيا شاعر واحد).
ولننظر في هذه الاستشهادة، والمفردات التي تحتضنها من قبيل..
قيثارة/ روح/ لن أموت/ سأكون مجيدا، سنجدها تتفق مع مقاطع الإلياذة توافقا عجيبا، نقرأ
دلالته بأن (الأبيات هي ما يتبقى من جسد الشاعر بعد موته، فهي رفات جسده الذي ذهب،
لكنه رفات من الكلمات، رفات الكلمات السحرية التي لا تموت بل تمنع انحلال الشاعر وانمحاءه
في التراب).
ثم لننظر إلى استشهادة أخرى في نص "ميراث البيت الشعري"
للشاعر العباسي دعبل الخزاعي (سأفضي ببيت يحمد الناس أمره ويكثر من أهل الرواية حامله/
يقول إذا ذاق الردى مات شعره وهيهات عمر الشعر طالت طوائله/ يموت ردئ الشعر من قبل
أهله وجيده يبقى وإن مات قائله).
ومجددا نلمس دلالة البقاء والخلود للأشعار الجميلة والقصائد
الرائعة، فكم شاعر مجهول المكان والقبر والسكنى والأهل، ولا شيء يدل عليه بعد الأعوام
والدهور ويبقى شعره خالدا يدل عليه، وهنا تأتي استشهادة أخرى في قلب نص من ابن الرومي،
يلتقطها ابراهيم سعيد بحرفية صياد ماهر؛ ليعطي الشعر حقه، ويبين مكانته الحقيقية، ويؤكد
أن الشاعر خالد بشعره، (وليس أحد يعرف حق الشعر كالشاعر)، والجملة الأخيرة مقتبسة من
فقرة في نص العقل والشعر، يريد الكاتب بها ابن الرومي، لكنني أريد بها أنا الكاتب نفسه
ابراهيم سعيد، الذي عرف حق الشعر، وتتبع روحه المدفونة في نص منسي، ونص متداول، ومزج
بينما تمازج الأرواح.
يقول ابن الرومي (واعلم بأن الشعر ليس بائدا بل خالد إن كان
شيئا خالدا).
ولا يكتفي الشاعر بذلك البيان، بل يستل من ابن الرومي بيت
آخر يقول فيه: (أرى الشعر يحيي الجود والبأس بالذي تنقّيه أرواح لهُ عطراتُ/ وما المجدُ
لولا الشعر إلا معاهدٌ وما الناس إلا أعظمٌ نخراتُ).
وهذا البيت ينسب ايضا لأبي تمام، وقد ذكر في بعض المصادر
تبقّيه أرواحٌ.. وليس تنقّيه، ومهما يكن فابراهيم سعيد ـ كما أشرت ـ لا يتفرع في بحث
ما اتفق عليه وما اختلف، كما لا ينشغل بالحواشي التي تخرج السياق عن مساره.
ولأن الحديث عن الشعر وموسيقاه وقيثارة هوميروس الخالدة و
ناي أوزوريس، فإن صوت الموسيقى ينبعث في استشهادة من مسرحية حلم ليلة صيف للكاتب المسرحي
الانجليزي وليام شكسبير، يقول فيها (موسيقى.. موسيقى حتى كأنها تسحرُ النوم) يتتبعها
الكاتب بالإشارة (إنها الموسيقى التي تسحر السحر، الشعر وهو في المعزوفة الأوركسترالية
على المسرح، الشعر وهو في الموسيقى الأوبرالية، موسيقى كأنها تسحر النوم، النوم الذي
يصفه شكسبير بمخفف الآلام على لسان الملك لير: "تعال أيها الرقاد الهادئ يا مخفف
آلام البشر").
إنه سحر الكلام، سحر الكلام الذي (يسبح في تيار الزمن، السيوف
سيوف بأفعالها، ومضائها، ليس بشكلها، ولا يمكن أن نجد أشكال السيوف في غير السيوف،
إنما تتبع السيوف أفعالها، كذلك الشعر لا يتبع أشكاله بل يتبع أثره وسحره، هكذا يسبح
سحر الكلام في تيار الزمن ويتقدم).
ولأننا نقتفي سحر كلمات ابراهيم سعيد ونحاول الاقتراب من
عالم الشعر المدهش، هذا الذي كلما طرقنا بابا للجمال، وجدناه يسكن هناك، فإننا نكتشف
كما يخبرنا ابراهيم أن اسم الشعر في السومرية هو: سر، هكذا إذن يجتمع ذلك المعنى فيما
كنا نبحث عنا وسر الكلام هو شعر الكلام، وهو هنا سحر الكلام، سحر السحر، سر الشعر.
هذه التقاطيع المقفاة، أو النثر الموزون، هي من يبعث اللحن
الموسيقي الذي يستمعه القارئ من اول اسطر الكتاب وحتى منتهاه، وهنا يبزغ سر آخر، سر
قيثارة الخلود، التي امسكها ابراهيم وعزف عليها لتنساب الكلمات بسحر يطرب الآذان، ويآسر
القلوب، وإن من البيان لسحرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق