مدخل
يمكن القول أن معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته هذا
العام 2013م، كان الأنشط والأكثر غزارة في الاصدارات العمانية المتنوعة التي زخر
بها، إضافة إلى الميزة الأهم التي إنفرد بها معرض هذا العام، دون عن سواه حتى من
معارض الكتاب التي تقام في عواصم ومدن عربية، إذ رفع الرقيب قيوده عن وجود أي كتاب
في المعرض، وألغى المنع من قاموسه، بإعتبار أن المنع لم يعد مجديا في زمن يمكن طلب
أي كتاب في العالم بضغطة زر، وكما أن المنع نفسه يحقق الرواج للكتاب، ويضاعف
الاقبال عليه، ولذلك إذا أردت نشر إصدار ما، فعليك بمنعه.
ولذا فإن وجود هذا الكم من الإصدارات العمانية، وهذا
التنوع البديع في الأفكار، والرؤى، وجماليات العناوين والمضامين التي تطرحها هذه
الاصدارات تحتاج إلى وقفة وقراءة من النقاد والمتخصصين، وفي ذلك إثراء للحركة
الابداعية في السلطنة، وإنعكاس للثراء الذي شهدته عبر الاصدارات الحديثة.
احتفاء وليس نقد
لا أعتزم هنا تقديم قراءة تخصصية في رواية سليمان
المعمري "الذي لا يحب جمال عبدالناصر".. وإنما هي قراءة عابرة، تصدر من
قاريء غير متخصص في النقد، هو يحاول أن يقول شيئا، ليعبر عن اعجابه بهذا الاصدار
أو ذاك، ويحفز الأخرين من النقاد والمتخصصين على الإدلاء بدلوهم، بما يسهم في
تنشيط الساحة الثقافية المحلية.
هذه القراءة البسيطة تهدف للإحتفاء بالقاص والروائي
"تاليا" سليمان المعمري، وإنتاجه الروائي الاول المتمثل في هذه
المجموعة، والتي تقدم وجه إبداعيا جديدا لسليمان، الذي عرفه القاريء كقاص في ثلاث
مجموعة قصصية صدرت له، وهي "ربما لأنه رجل مهزوم"، و"الأشياء أقرب
مما تبدو في المرآة"، و"عبدالفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل"..
ليعيد أكتشاف موهبة إبداعية أخرى، أجاد المعمري فيها، واستطاع أن يآسر قرءاه حتى
السطر الأخير من الرواية.
الرواية تسير في إطار زمني، ومكاني معروفان، وتتقاطع
أحداثها المتخيلة مع أحداث واقعية، وتتشابك الشخصيات الوارادة في الرواية، والمستواحاة
"بعضها" من الواقع، مع شخصيات الرواية الرمزية ولكن الكاتب ينأى بأحداثه
وشخصياته عن الواقع، بالإشارة إلى أنهما من نسج الخيال.. وإذا ما تشابهت مع شخصيات
أو أحداث حقيقية في الواقع فذلك لا يعدو كونه مصادفة قدرية محضة..
الرواية تبدأ بفنتازيا طلب جمال عبدالناصر العودة إلى
الحياة، ومعايشة الثورة التي قامت في مصر، لكن حارس البرزخ، لا يجد له وسيلة
قانونية تسمح له بهذه العودة، إلا بإنتزاع جزء من كراهية شخص له على قيد الحياة،
هذه الكراهية لو وضعت وحدها في كفة ميزان ووضع بغض جميع الناس لعبدالناصر في الكفة
الأخرى لرجحت كفته، وويخبره أنم هذا الشخص مصري يقيم في عُمان، ويطلب من الرئيس
الراحل أن يحاول أن يسل ولو 1% من الحقد الذي يحمله في قلبه عليه، حتى يحصل على
مكافأة العودة إلى الحياة وإلى مصر معززا مكرما.
وهكذا ينطلق جمال عبدالناصر، في رحلته للوصول إلى الشقة
رقم 18، في منطقة الحمرية، وريثما فتح بسيوني سلطان الباب، ورأى جمال عبدالناصر
أمامه بشحمه ولحمه.. شهق شهقة قوية وسقط مغشيا عليه.
عند هذه الحادثة، تبدأ أحداث الرواية بالتصاعد، وتتشكل
شخصياتها الرئيسية والهامشية، وتتداخل الأحداث لتنتهي في ذات النقطة الفاصلة، التي
أنطلقت منها، وهي وجود بسيوني سلطان في المستشفى السلطاني في غيبوبة تامة.
يعطي الكاتب شخصياته، وجلها تعمل في جريدة عمانية اختار
لها أسم "المساء" ـ عدا شخصيتين ـ، الحرية المطلقة في الاخبار والحديث عن
نفسها، وعلاقتها ببسيوني سلطان، وتحكي هذه الشخصيات عن كل ما يحيط بحياتها من
أحداث، والمواقف التي جمعتها ببسيوني، ويطرقوا قضايا عميقة، وشديدة الحساسية،
بأسلوب السهل الممتنع، وهو الأسلوب الذي يميز كتابات سليمان المعمري القصصية.
فالمتلقي الذي يقرأ سليمان المعمري "روائيا"
يجد أن الفكرة بسيطة جدا، وأن المعاني سهلة للدرجة أنها تتوالي بسلاسة ويسر، ولكنه
حينما يبحر داخل النص يجد أنه من الصعب مجارة هذا الإسلوب بإتقانه، ورشاقة لغته،
والمقدرة المذهلة على توليد الأفكار، والتمكن من السيطرة على مجريات الأحداث،
وتطور الشخصيات.
الرواة في "الذي لا يحب جمال عبدالناصر"،
شخصيات مهزومة داخليا، تعاني من شروخ حياتية، وتداعيات أحداث وقعت لها في الماضي،
والكثير من هذه الانهزامية تعود إلى وجود الشخصية المحورية للرواية وهي بسيوني
سلطان، ولذلك نجد أن سيجولوجية، وتكوين كل شخصية، تبدأ من نقطة وجود بسيوني سلطان
في المستشفى في حالة غيبوبة، والعلاقة بينهما.
هذه النقطة، والتشابك في احداث الشخصية الراوية، مع شخصية
بسيوني، تحمل عناوين الفصول التالية للحدث الرئيسي، وهو عودة جمال عبدالناصر
للحياة، لمقابلة أكثر شخصية حية على وجه الأرض كرها له، حيث يوظف الكاتب تقنية
تعدد الأصوات التي تتيح لكل شخصية من شخصيات الرواية سرد حكايتها بنفسها والتعبير
عن ذاتها بلغتها الخاصة.
وقد وضع المعمري لكل فصل من هذه الفصول عنواناً جاذبا
يشد القارئ، على نحو، الراوي العليم: زرني يا عَدُوِّي، جار النبي بسيوني سلطان:
صوّتْ لمرسي يا ولد، رئيس القسم الديني: هل سيد قطب أباضي؟!، المصحح السوداني:
أنته أصلاً فلول وما لكش دعوة بالثورة، رئيس القسم الثقافي: اش جاب التفاح للبصل!،
رئيس التحرير: بالضبط كأنك تسحب السيفون، رئيسة القسم الاقتصادي: تاريخ أيه وجزمة
أيه يا زينب!، رئيس قسم المحليات: غاندي يفطر بـ"سويويا"!، عبدالله
حبيب: المشي في جنازة رجل عظيم، زينب العجمي: سموها "نكسة"، جاتهم وكسة!،
بسيوني سلطان: بالعصا على مؤخرته، المصحح التونسي: البلد بش يبيعوها، عضو اللجنة
الوطنية لحقوق الإنسان: يخيط فمه؟!.. هل نحن في شيكاغو؟!، المترجم المصري: عُمان
مذكورة في القرآن؟!، الراوي العليم: أعرفك جيدا.
أنتهج سليمان المعمري في روايته، ـ كما أشرت ـ إلى تقنية
تعدد أصوات الرواية، وأعطى فضاءً واسعا لشخصياته للتحرك، بدءا من علاقتها مع
بسيوني سلطان، وحتى علاقتها بصحيفة المساء، والمواقف الحياتية التي مرت بها،
والتطورات الدراماتيكية التي صاحبت كل شخصية، وتماسها مع قضايا وأحداث محلية.
فرئيس القسم الديني الشيخ داود الحراصي تحدث ـ مثلا ـ عن
علاقته بقضية ما سُمّي بالتنظيم السري المحظور 2005م، بإعتباره أحد الأشخاص المتهمين
في التنظيم، ورئيسة القسم الاقتصادي زينب العجمي التي تحدثت عن اعتقالات ديسمبر
1987م في حق تنظيم الشيعة الشيرازية، كون والدها أحد المتهمين في التنظيم، ورئيس
قسم المحليات سالم الخنصوري الذي أسهب الحديث عن اعتصام ساحة الشعب، أو ساحة مجلس
الشورى، وعضو اللجنة الوطنية لحقوق الانسان التي تحدثت عن الانتقادات الموجهة إلى
اللجنة، وقضية ما تسميه بـ"المخربين"، و"اصحاب الكتابات
المسيئة".
ولا تغفل الرواية، أن تعرج على ثورات الربيع العربي وتأتي
على الكثير من القضايا التي تعج بها الساحة المحلية، سيما المرتبطة بالاعلام،
والحرية الصحفية، ونشاط الصحفيين، وتعامل الجهات الأمنية مع بعض القضايا، منطلقة
في فضاءها من "ميدان التحرير"، وهو مصطلح أطلقه موظفو الجريدة على صالة
التحرير لديهم، تيمناً بثورة 25 يناير المصرية التي كانوا يتابعون أحداثها من قناة
الجزيرة في تلك الصالة، هو الفلك الذي تدور حوله شخصيات الرواية.
القارئ للرواية، يجد أن بعض الشخصيات، قد ظهرت ـ كما
ذكرت سلفا ـ في بعض الأحيان "مهزوزة"، و"ضعيفة"، وربما يعود
ذلك لسطوة شخصيات بعينها، والمساحة الممنوحة لها للحراك، وتبيان موقفها وأفكارها،
يحدث ذلك مثلا بالنسبة للشخصية الرئيسية في الرواية بسيوني سلطان، الذي رغم إثارة
زملائه له، واستغلال كراهيته الشديدة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، إلا أنه يبدو
متماسكا وهو يسرد حكايته مع عبدالناصر، وقصة كراهيته له، بعد تأثره وعائلته من
قانون الاصلاح الزراعي الذي تم تطبيقه في مصر بعد ثورة الضباط الأحرار في 23 يوليو
1952م، وعلاقة الأخوان المسلمين مع عبدالناصر وانقلاب الأخير عليهم.
بسيوني هذا لا يتوانى وفي سبيل امتثاله للتعليمات
الصادرة، وتكوينه الأيدلوجي، القريب من فكر الأخوان المسلمين، إلى حذف بعض العبارات
من المواضيع المقدمة للنشر في جريدة "المساء"، بحجة إنها تخالف التعليمات،
ومن مثال ذلك استبداله كلمة "الإصلاح" بكلمة "التطوير"
و"تظاهرة" "بمسيرة" و"سيدات الاعمال" "بصاحبات
الاعمال" و"الإبداع" "بالإجادة".. وغيرها، وقد أبلى
بسيوني في ذلك بلاء حسنا، رغم الحماقات التي ارتكبها أثناء التصحيح.. ورفضه وحذفه
للكثير من المواضيع التي يجدها حسب رؤيته الضيقة للدين، مخالفة للشريعة، ، رغم أن
عمله الأساسي في الجريدة التصحيح اللغوي فقط وليس رقابة النصوص، التي لها سلطة
أخرى متمثلة في إدارة التحرير، ولذلك دخلت الجريدة في مشاكل متعددة مع بعض
المثقفين والأدباء، الذين هدد بعضهم بعدم التعامل مع الجريدة في حال تكرر حذف
النصوص وتعديلها.
والحال ذاته مع شخصية أخرى مناكفة لبسيوني سلطان، والتي
تشكل حضورا دائما في سرد الشخصيات للإحداث، ذلك هو رئيس قسم المحليات سالم الخنصوري
الذي يسهب في الحديث عن نفسه، والحديث عن اعتصامات 2011م، والعلاقة بين زينب
العجمي وبسيوني سلطان.
ورئيس التحرير مرهون البطاشي الذي يتحدث عن زواجه
الثاني، وعلاقته بزوجته التي تعمل في اللجنة الوطنية لحقوق الانسان، ومحاولة
الأخيرة اشعار زوجها بإنها على علم بخيانته.
وكذلك بالنسبة لزينب العجمي رئيسة القسم الاقتصادي، التي
كانت من الشخصيات المهمة في الرواية، وطرحت الكاتب من خلالها مجموعة من المواضيع،
ويحسب لها أنها الشخصية الوحيدة في الرواية التي أفسح الكاتب لها فصلين كاملين،
لروي الأحداث.
لكن الرواية هنا لا تهتم بتخصص زينب العجمي ـ مثلا ـ في
القسم الاقتصادي، لذلك هي تروي عن حكايتها مع زوجها الراحل خالد الخروصي، وبداية
تعارفهما، ومن ثم رعايته لها ولأمها حين وجود والدها رهن الاعتقال، وبعد ذلك
علاقتها ببسيوني، وسعي الأخير لطلب زواجها متعة.
ويقع الكاتب ـ من وجهة نظري ـ في اشكالية فقهية، لا أجزم
إنه لم ينتبه لها، وبالتأكيد أن ثمة تبريرا لها عنده، عندما يحكي على لسان
"زينب العجمي" عن زوجها خالد الخروصي "الأباضي المذهب"، وهو
يقول لها (أنأ أعرف أن مذهبنا يبيح زواج المتعة.. لكن عمري ما فكرت أتزوج بهذي
الطريقة يا زينب.. الزواج رباط مقدس بين شخصين، شراكة كاملة في الحياة في كل شيء..
مش مجرد "متعة" صغيرة يروح كل واحد ف طريق).
فالذي يذهب إليه أكثر علماء المذهب الاباضي أن نكاح
المتعة قد نُسِخ؛ لأن النكاح إنما هو ربط مصير بمصير، وهم يرون في القرآن الكريم
ما يدل على أن الزواج إنما هو إحصان، وليس هو من أجل سفح الماء فالله تبارك وتعالى
يقول في الآية الخامسة من سورة المائدة: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ
مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}.
وغير ذلك نجد أن الرواية تعزز صورة التسامح المذهبي في عُمان،
حيث يتزوج خالد الخروصي "الأباضي المذهب" من زينب العجمي "الشيعية
المذهب".. ويصف خالد نفسه بأنه ليست متعصبا لأباضيته، وهو يرى أن الإسلام دين
واحد والمذاهب ليست سوى طرائق لفهمه. أي إنها وسائل لا غايات.
ومع السلاسة في سير أحداث الرواية، واعتماد الكاتب على
تقنية تعدد الأصوات، والفلاش باك في سرد الأحداث، فهي كذلك تحمل الكثير من الرسائل
الهامة، التي تستوقف القاريء.
فحديث بسيوني سلطان عن "الرئيس المؤمن محمد
مرسي"، وكونه "ما بيخافش غير ربنا" وأنه "حافظ القرآن كامل
وبيصلي الفجر جماعة".. يقابله تعليق حسن العامري رئيس القسم الثقافي "دينه
لنفسه.. مصر محتاجة رئيس، مش مطوّع".
وكذلك الحال مع تونس، إذ يصف المصحح التونسي عبدالمجيد زروقي
الوضع السياسي في بلاده بعد الثورة "وسقط النظام والحمد لله وهرب بن
علي، واستبشرنا خيرا بما سنجنيه بعد الثورة، ولكن البغل تبدل و"الكريطة هي
هي".
ويتساءل بمرارة المواطن التونسي الذي كان يحترق ألما
وشوقا وهو يتطلع للعهد الجديد فإذا به يكتشف في ساعة يأس "أن بن علي الطاغية
المستبد يخاف الله أكثر منهم".
ويوصف عبدالمجيد الحالة التونسية، وهي بالكاد تتشابه مع
حالات عربية أخرى، أمتدت لها ثورات الربيع العربي، "مشكلتنا مع النظام السابق
كانت في حرية التعبير والإعلام فقط، ولكن كان هناك أمان نسبي"، ويرد على سالم
الخنصوري بعدما امتدح حرية التعبير والإعلام الكبيرة التي ظفرتم بها بعد
الثورة"، بالقول: " إنها كبيرة حقا.. كبيرة حد الفوضى".
الرواية في مجملها تقدم تقاطيع عديدة، يمكن أن يبنى
عليها سردا عميقا حول الأحداث التي تتعرض لها، والجميل في كاتبها، إنه استطاع مزج
الواقع بالمتخيل، والمعقول بالامعقول، ورسمت كل شخصية من شخصياتها على نمط واقعي يقترب
من شخصيات معاشة بيننا، لكننا لا نود الذهاب إلى ذلك، وتصديق الرواية، واعتبار
شخصياتها حقيقة، وتحميلها ما لاتحتمل.. فهي أولا وأخيرا تظل إبداعا من نسج خيال
الكاتب، وله وحده الحرية المطلقة في رسم مسار الأحداث، والأخذ من الواقع ما يراه
مناسبا، ويخدم فكرته التي ينطلق منها في عمله.
وحيث أنها الرواية الأولى لكاتبها القاص سليمان المعمري،
أقول هنا القاص، لأن هذه التسمية والوصف هو الأقرب، وربما الأحب للمعمري، الذي حقق
عدة انجازات مهمة في مجال القصة، ليس أهمها جائزة يوسف إدريس للقصة القصيرة، التي
نظَّمتها لجنة القصة في المجلس الأعلى للثقافة بمصر، عن مجموعته القصصية " الأشياء أقرب مما
تبدو في المرآة".. أقول حيث أنها الرواية الأولى، فقد ظهرت بعض الشخصيات
إطالة فيها في سرد التفاصيل التي ترتبط بها، وهذا جعل الكثير من القضايا والمواضيع
تتفتح أمام القاريء، دون أن يستوعب جل تفاصيلها.
لا أريد هنا أن يفهم القول، انني أطالب أن تنبش الرواية
كل القضايا والمواضيع، وتسردها بتفاصيلها، ولكنني لم أكن أود أن تحمل الرواية أكثر
مما تحتمل، فهي ليست كتاب تاريخ، أو توثيق لأحداث ومجريات تاريخية، كما أن مدخل
الرواية، والفصل الأخير منها، بدأ مهزوزان قليلا بالمقارنة بالأحداث التالية، وهذه
الصعوبة في مزج الواقع بالمتخيل، إذ يتماهى الواقع ليصبح جزءا من المتخيل، ويتلاشى
المتخيل ليصبح جزءا من الواقع..
أعتقد أن سليمان المعمري وهو يكتب هذه الرواية، تصارعت
أمامه الأحداث، وتداخلت فيما بينها، فصارت جزءا من شخصياته، وطوعها بحرفية، لكنني
أخشى أنه حملها كل هذا الحمل الزائد.
وإذا كان الكاتب قد استطاع تكثيف عبارات وتوصيفات بعض
شخصياته، للإحداث، فإنه استلزم منه الاسهاب في بعض المواقف، للوصول إلى ما يريد
قوله، فالنقاشات المستفيضة حول قضايا فقهية وفكرية، لم تخدم الرواية في بعض
الفصول، وكانت هذرة زائدة.
مع كل هذا، فلابد من الإشارة مجددا، إلى أن رواية
"الذي لا يحب جمال عبدالناصر"، استطاعت أن تآسر الكثير من القراء،
ويتهافت عليها الجمهور في معرض مسقط الدولي للكتاب، وأعترف إنني قرأت الرواية
مرتين متتاليتين، وما زلت منشد إليها، وقد أقرأها للمرة الثالثة.
لقد نجح سليمان المعمري روائيا..
نجح في صياغة رواية.. تقول كل شيء.
نجح رغم الملاحظات البسيطة التي سيقولها هذا القارئ
البسيط، أو ذاك الناقد لا المتخصص.
لكنها تبقى ملاحظات، لا تنتقص من قيمة العمل، ولا تقلل
من جودته.
ومع هذا النجاح، ومطالبة "البعض" لسليمان
بكتابة جزء ثاني من الرواية، أتمنى منه أن لا ينساق إلى كتابة جزء ثاني منها، بل
يكتب رواية أخرى، أثق أنه سيبدع كما أبدع في نصوصه السابقة وروايته هذه، فسليمان
المعمري مشروع أديب نضج.. وهذا أوان قطاف ثمره/ إبداعه.
أخيرا.. إذا كنت أتمنى ان يقرأ كل شخص هذه الرواية، سيما
المشتغلين بالصحافة والاعلام، فإنني لا أتمنى أن يبحث أي منهم ـ وأقصد هنا
المشتغلين بالصحافة ـ عن نفسه داخل الرواية، ولا يحملها ما لا تحتمل، فهي تظل
بشخصياتها وأحداثها من نسج خيال الكاتب.. ومرة أخرى اسوق تنويه كاتبها.. إذا ما
تشابهت مع شخصيات وأحداث حقيقية في الواقع، فذلك لا يعدو كونه مصادفة قدرية محضة.
مسقط ـ الأربعاء 20 مارس 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق