الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

عن التاريخ العُماني وشخصياته التي نسيناها ( 3 )

الإصدار الأول من سلسة تراثنا التي كانت تصدر عن وزارة التراث القومي والثقافة ـ طبعة 1979م

ماذا ينقص أثرياؤنا ليكون لهم دور في دعم الثقافة وتشجيع المعرفة؟، ومتى سنرى جائزة عُمانية يقدمها أحد رجال الأعمال ضمن مؤسسة أو مبادرة ذات أهداف فكرية بحتة، كما هو الحال مع جوائز خليجية وعربية من أمثال مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري وجائزة سعاد الصباح، ومؤسسة سلطان العويس، ومؤسسة الفرقان، وجائزة البوكر للرواية العربية، ومؤسسة الفكر العربي، ومؤسسات عديدة أحدثت زخما بما تقدمه من جوائز للمبدعين، ومن ندوات تثير الكثير من قضايا الثقافة الراهنة، وتحريكا للمياه الراكدة في المشهد الثقافي العربي، دون أن نغفل الدور الهام الذي لعبته هذه المؤسسات في كشف النقاب عن أعمال أدبية ونشرها خارج نطاق حدودها، وتقريب ثقافة المشرق من المغرب، والعكس صحيح، إضافة إلى ما أسهمت به في تجاوز الانقسام وتأصيل الانتماء للفكر العربي. ففي خضم استعراض المبادرات الفردية والمؤسساتية الخاصة في دعم الثقافة والمثقفين لدينا في السلطنة، فإن محصلة ذلك ستكون خجولة ومتواضعة، ولا تكاد تذكر، غير أنها تظل جديرة بالثناء والتقدير، آخرها ما قدمه السيد علي بن حمود البوسعيدي للساحة الأدبية، من تأسيس دار للنشر باسم مؤسسة بيت الغشام، وهي المؤسسة التي حققت الكثير للكاتب العُماني خلال فترة وجيزة، حيث أخرجت للوجود العديد من الاصدارات في مختلف صنوف الفكر والمعرفة، وأسهمت في دعم الكتاب والوقوف مع الكاتب العُماني، خاصة في تراجع الدعم من المؤسسات الحكومية.
ودون أن نغفل دور السيد علي بن حمود البوسعيدي في دعم جهود جمعية الكتاب والأدباء العُمانيين لطباعة عدد من الاصدارات الأدبية سنويا، فهناك دور آخر يقترب منه، وهو الدور المهم الذي قام به السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي الذي كان له دور مهم في دعم اصدارات الجمعية. وأعود للسؤال بكيفية أخرى؟ ماذا ينقص أثرياؤنا لتكون لهم مبادرة في دعم الاصدار العُماني، وتبني بعضها؟.
ولن يكون المثال أقرب من واقع استعداد ولاية نزوى للاحتفاء في العام 2015م، بكونها عاصمة للثقافة الاسلامية، فإذا كانت الجهات الحكومية، واللجنة المشكلة لهذه الاحتفالية، لم تحرك ساكنا بعد اجتماعات عدة، وأفكار لفعاليات ومناشط عديدة، تظل كلها حبرا على ورق، فإن الصمت ذاته مطبق بالنسبة لرجال الأعمال وأثرياء نزوى الذين لم يبادروا في دعم أو اقامة مشروع ثقافي وفكري حتى الآن يستعيد مكانة المدينة الأدبية والفكرية. وليس أقل من ذلك أن يبحث كاتب يشتغل على مشروع توثيقي عن الولاية، عمن يطبع له هذا الكتاب/ الموسوعة، ولا يجد.
 إن ما يؤسف له، أن تكون الثقافة بمعزل عن تفكير رجال الأعمال، وتخضع لحسابات الربح والخسارة، ويمر أكثرهم على مكتبة عامةوقد خارت على عروشها، وتهدمت أركانها، فلا تجد من يلتفت لها، أو يتبنى تحديثها، غير مدونة آمَنَ اصحابها بالمعرفة، وأطلقوا حملة ناجحة لتجديدها، وإعادتها إلى الحياة.
إن مسئولية رجال الاعمال، والمقتدرين في تدني مستوى المعرفة، لا تقل شأنا عن مسئولية بعض الكتاب والباحثين والمؤرخين الذين لم ينبشوا كثيرا في كنوز الأدب العُماني، وانتظروا المبادرات الحكومية التي تدفعهم لتوثيق أحداث التاريخ العُماني وشخصياته.
وهنا من الواجب علينا أن نستذكر الجهود المقدرة التي قام بها الباحث الدكتور محسن بن حمود الكندي ومواصلته في إماطة النقاب عن شخصيات كان لها تأثيرها في التاريخ، من أمثال الشيبة محمد بن عبدالله السالمي، عبر كتاب خرج إلى الوجود في أربعة مجلدات قيمة، أهلت مؤلفها لنيل شرف الفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب (عن مجال الثقافة) في دورتها الأولى.
وبالاضافة إلى ذلك عنى محسن الكندي بالبحث في أشكال الخطاب الثقافي في أول الصحف العُمانية التي ظهرت في شرقي أفريقيا، من خلال كتابه القيم (الصحافة العُمانية المهاجرة صحيفة الفلق نموذجا)، مع التركيز على شخصيات التنوير وتجارب عدد من الشعراء العُمانيين في المهجر الأفريقي، صقلتهم البيئة الثقافية والحضارية الأفريقية من مثل: أبو مسلم البهلاني، وصالح بن على الخلاسي، وسليمان بن عمير الفلاحي، وعبدالرحمن الريامي، وسعيد بن عبدالله بن غابش، ومحمد بن سعيد الكندي، وعيسى بن سعيد الكندي، وأحمد بن حمدون الحارثي، وعبدالله بن سليمان الحارثي وغيرهم.
ويحسب لمحسن الكندي أنه واحد من الذين أبرزوا حياة وفكر الأديب العُماني الراحل عبدالله الطائي من خلال أطروحة الماجستير التي قدمها الكندي، قبل أن يعود ليصدر كتابا أشمل عن الطائي متضمنا الكثير من الوثائق المهمة التي ترصد حياته وأدبه.
أقدم الدكتور محسن الكندي أنموذجا، وأنا أرى الكمّ الكبير من الباحثين الذي يتسابقون للمشاركة في الندوات الفكرية، والتاريخية أو العلمية باعتبار أن المشاركة في هذه الندوات، أجدى وأنفع.. إضافة إلى أن الكثير منهم لم يقترب من الشخصيات الخلافية، التي يجد اختلافا في نسبها إلى هذه البقعة المكانية أو إلى تلك البقعة.
إن استعراضا موجزا لعدد من المؤلفات العُمانية، التي ما زالت محبوسة كمخطوطات لم تنشر بعد، أو لم تنقح، أو لم تجد من يعيد إصدارها بعدما نفدت طباعاتها الأولى، تؤكد الحاجة إلى هؤلاء المؤرخين والمتخصصين العُمانيين في مراجعة المخطوطات وتنقيحها، وأركز هنا على "العُمانيين" باعتبار مسئوليتهم أكبر في كشف هذه الكنوز، وفهم محتواها، ونبش ما يتعلق بها، وأذكر من ذلك كتاب (عُمان عبر التاريخ) للشيخ العلامة سالم بن حمود بن شامس السيابي الذي له مؤلفات أخرى من مثل كتاب (العنوان عن تاريخ عُمان) وكتاب (إسعاف الأعيان في أنساب أهل عُمان)، و(تأريخ عُمان السياسي) للأديب عبدالله بن محمد الطائي، ومؤلفات الشيخ المؤرخ حميد بن محمد بن رزيق مؤرخ دولة البوسعيد وشاعرها، مثل (الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيدين) و (الصحيفة القحطانية) و(الصحيفة العدنانية) و(السيرة الجامعة) و(السيرة الجلية المسماه سعود السعود البوسعيدية) و(بدر التمام في سيرة السيد الهمام سعيد بن سلطان بن الإمام) و(الشعاع الشائع باللمعان في ذكر أئمة عُمان).
إن إيراد هذه المؤلفات، ليس من قبيل الحصر، بقدر ما هو تقديم أمثلة ونماذج، لكتب لم تجد حظها من الاهتمام والانتشار، وانحصرت مسئوليتها في قيام الجهة المعنية بالتراث والثقافة، في إعادة طباعتها، واخراجها بصورة أكثر تميزا، وهو ما يجعلنا نعيد النداء، بأهمية أن تمتد يد العناية إليها، وتنتشلها من النسيان، وفق تعاون مع مؤسسات النشر، أو عبر مؤسسة فكرية ثقافية تقام لهذا الغرض، وفي اعتقادي أن هناك من المقتدرين من يمكنهم فعل ذلك.
وليس أدل من تبني جهة أو مؤسسة نشر خاصة، إعادة إخراج سلسلة عُمانية، كما فعلت من قبل وزارة التراث والثقافة، حين بدأت العام 1979م، إصدار كتاب شهري ضمن سلسلة (من تراثنا) واستمرت فيها سنوات طويلة، قبل أن تموت الفكرة، وتتلاشى، وتبقى مجرد مؤلفات من الذاكرة العُمانية، وهي سلسلة موجزة أسهمت في تعريف القارئ العُماني بلمحات عن التاريخ العُماني، وشخصياته، وأدبه وفنونه، من قبيل كتاب (عُمان في فجر الحضارة) و(عُمان تاريخ يتكلم) و(عُمان وشرقي أفريقية) و(مسقط في عام 1688م) و(البوسعيديون حكام زنجبار) و(قصص وأخبار جرت في عُمان) والكثير الكثير من الاصدارات والمؤلفات التي كانت نبعا للمعرفة، ونافذة مشرعة على الأدب العُماني، توارت في خضم الحاجة إليها.
إن ما يهمني في إطار الفكرة التي يتمحور حولها هذا المقال، عما قدم الأفراد الميسورون من خدمات للثقافة العُمانية، وما الإسهام الذي أحدثه كبار رجال الأعمال خدمة للثقافة والفنون، طارحا تساؤلا في ذات الإطار، عما إذا كانت القوانين والأنظمة لدينا تمنع قيام الأفراد والمؤسسات الخاصة بتبني أنشطة فكرية وثقافية.. أقول هذا وأنا أسترجع طلبا قدم لأحد كبار التجار في السلطنة لتأسيس جائزة باسم والدهم تقدم في أحد المهرجانات، فجاء الاعتذار بعد حسابات الربح والخسارة.. وكأن الاهتمام بالأدب والفكر هنا نقيض الاهتمام بالتجارة والاقتصاد.
لقد قلتها كثيرا، إنني أتمنى أن أرى مؤسسة فكرية عُمانية، تولد من رحم مؤسسة تجارية، تهتم بتنشيط الفكر والإبداع، وتسهم في إقامة مناشط وفعاليات أدبية وثقافية، وترعى أمسيات واحتفالات فنية متنوعة، أن تنبش في أعماق التاريخ لتستخرج كنوزه، وتكون عونا للجهات الحكومية، في إبراز تراث الأفراد، وتقديمه.
وفيما اسكب أمنيتي أن أرى مؤسسة بيت الغشام وقد نمت لتأخذ دورا أكبر في الحياة الثقافية، فإنني آمل أن أرى أكثر من "بيت الغشام"، وأن أسمع بمبادرة مؤسساتية خاصة، تقارب مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين أو جائزة سعاد الصباح أو العويس .. أو.. أو…
فهل ذلك مستعصي على أبناء عُمان..
هل ذلك مستعصي ؟!.

  مسقط ـ في 10 سبتمبر 2013م 

 أقرأ أيضا:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق